المقال السابق اتكلمنا عن الملامح الثقافية للمسيحية التقدمية ، هنكمل النهاردة ونحكي عن بعض الاجزاء الخاصة بلاهوتهم ، وبالرغم من انه مفييش لاهوت ثابت او عقيدة او مذهب موحد تقدر ترجع ليه ، والتنوع في الامر دا كبير جدا جدا ، إلا انه تقدر تشعر بامور مشتركة كتير . علي فكرة فيه بعض الامور اللي بيقدموها صح بنسبة لاهوتيا ، وبعض الاموراللي بيقدموها مفيش اجماع او وضوح فيها. لكن الحقيقة انه الاستنتاج في اللاهوت اللي بيقدموه اكبر من الاعلان.

المقال ده بيتكلم عن الفرق بين المسيحية التقليدية والمسيحية التقدمية (اللي بيسموها أحيانًا  او يندرج تحتها”الليبرالية المسيحية”). المسيحية مش بس مجرد معتقدات، لكن كمان بتأثر على تصرفاتنا.

ليه الكلام اللى بيؤمنوا بيه ” اللاهوت” مهم؟

١- عشان اللى بتؤمن به بيأثر على اللى بتعمله، اللاهوت والمعتقد مرتبط بالسلوك لانه جزء من تكوين وجهة نظر العالم اللي بيأثر عليك.

٢- عشان مصدر الكلام اللى بيتبعوه بيحدد مين بيأخدوا أوامر منه. هل بيتبعوا الكلام اللى فى الكتاب المقدس ولا بيتبعوا اللى المجتمع بيقوله ؟

مثال: كتاب “جامحة” لـ “جلينون دويل” بيتربع على مبيعات كتب المساعدة الذاتية المسيحية على أمازون وهو كمان الأول فى قائمة نيويورك تايمز لأفضل الكتب مبيعًا. الكتاب ده مكتوب من وجهة نظر مسيحية على قد حالها، بيستشهد بآيات من الكتاب المقدس ويتكلم عن ربنا والإيمان والمسيحية والأخلاق. بس كمان بيقول إنك تقدر تلاقى ربنا جواك وبيشجع على النسبية الأخلاقية وبيقول إن الجنس والهوية الجنسية متغيرة وبيحمل الكتاب المقدس مسؤولية خلق ثقافة بتضطهد الستات.

ازاي تفرق بين المسيحية التقليدية والمسيحية التقدمية؟

المسيحيين التقدميين مش بس مجموعة مسيحيين عندهم رأيهم الخاص في قضايا اجتماعية وسياسية. لكن على حسب كتّابهم ومفكريهم البارزين، بيوصلوا لمرحلة إنهم ينكروا العقائد الأساسية للمسيحية، وده بيخليهم يوصلوا لمرحلة تبشير بإنجيل مختلف تمامًا.

بعض علامات لاهوتية للمسيحية الليبرالية:

١- الكتاب المقدس:

المسيحيين التقدميين بيشوفوا الكتاب المقدس كسجل بيحكي عن اللي الناس كانوا بيؤمنوا به عن ربنا فى عصور وأماكن مختلفة، مش الكلام الموحى من ربنا بمعني انه مصدر الكتاب المقدس هو الله . مش غريب انك تلاقى مسيحي تقدمي مش متفق مع كاتب فى الكتاب المقدس، أو يرفض الآيات اللى بيلاقيها مش مفيدة. لكن برضو احب اوضح انه طبيعي هيجي عليك وقت وانك تبقي مش قادر تستوعب ، او مش قادر تعمل اللي بيقول عليه الكتاب المقدس ، وحتي مش قادر تقبله، لكن دا مش معناه انك تلغي وتتجاهل اللي بيقوله بخصوص القضية دي.

فى الواقع، واحد من اكبر قادة المسيحية التقدمية زى “ريتشارد رور” بيشجع المسيحيين على تجاهل وإنكار ومقاومة علانية للآيات اللى “استعمارية، عقابية، إقصائية، أو قبلية”. لما بنسمح لنفسنا ننكر أو نتجاهل الآيات اللى مش بتتناسب مع أفكارنا المسبقة عن مين هو ربنا وإزاي بيتصرف فى العالم، بنكون نقلنا حق تحديد الحقيقة من الكتاب المقدس لأفكارنا ومشاعرنا ورغباتنا الشخصية. وهنا الكلام فيها كتير لكن هحاول اخصر اللي عاوز اقوله لأفكار زي :

انه مش طول الوقت رغباتي سليمة ، او طريقة التفكير بتاعتي صحيحة وبتعرف تحكم علي الامور طول الوقت بشكل سليم ولا تؤثر عليها رغباتي.

٢- الفداء:

ينكر المسيحيون التقدميون عمومًا عقيدة الفساد الكلي او الطبيعة الفاسدة او حتى الفساد الجزئي للانسان ، ويفضلون مفهومًا يسمى “البركة الأصلية” أو “اللطف الأصلي” وانه الانسان بيولد في حالة من البراءة.  إذا لم نكن خطاة بطبيعتنا ومفصولين عن الله بسبب خطايانا، فإن موت المسيح يصبح مثالًا للحب والغفران يجب اتباعه بدلاً من تضحية كفارية تصالحنا مع الآب.

هناك العديد من نظريات الكفارة المختلفة المستندة إلى الكتاب المقدس والتي تساعدنا على فهم ما حققه المسيح على الصليب بشكل كامل. سأذكر منها الاشهر

١- نظرية “المسيح المنتصر” تساعدنا على فهم أن يسوع جاء ليهزم قوى الخطيئة والموت والشيطان.

٢- نظرية “الفدية “يستخدم الكتاب المقدس لغة “الفدية” لوصف دفع ثمن. ولكن تلك النظرية كان لها اتجاها اخر في ان الفدية تم دفعها للشيطان ، علشان الله يفتدي الانسان اللي هو كان تحت عبودية الشيطان .

٣- نظرية “التأثير الأخلاقي” تقدم لنا كمثال لمحبة الله لنا وتعيد تعريفنا للحب والغفران والافعال النبيلة التي يجب ان نستمتع بها وندركها عن الله.

٤- نظرية “البديل العقابي” توضح كيف تحمل يسوع عقوبة خطايانا على نفسه  الذي كان من المفترض أن نتحمله.

٥- “نظرية “الاسترداد” وهي كيف ان المسيح من خلال تجسده وحياته وموته وقيامته استرد ما فشل فيه الانسان في استرداده ، ومن خلال عمل المسيح استرد الانسان بالكامل لله، وعكس عصيان البشرية إلي الطاعة.

٦- نظرية “ الترضية” واللي بتركز على مفهوم العدل الالهي وازاي انه موت المسيح كان لارضاء الله لاننا لا نستطيع أن نرضي الله.

٧- نظرية “ الحكومية“وهي نظرية وانه الغرض الاسمي من موت المسيح هو اقامة حكومة اخلاقية للكون وانه موت المسيح يضع لنا رؤية عن عقوبة الخطية في ملكوت الله وحكومته الاخلاقيه ويدفع الانسان للتوبه والحياة بتقوي.

تجتمع كل هذه النظريات- بغض النظر عن قوة وضعف كل نظرية –  لتقدم لنا صورة اوضح لما حققه المسيح على الصليب.

في الدوائر التقدمية، تُعتبر فكرة أن الله يتطلب ذبح ابنه الوحيد نوعًا من الاهانة الإلهية. لذلك، غالبًا ما ينكرون فكرة الكفارة بشكلها المباشر. كتب مايكل جونجور، موسيقي ومقدم برامج :

“أود أن أسمع المزيد من الفنانين الذين يغنيون لله وقليلًا ممن مستمتعون بفكرة أبًا يقتل ابنه في هذا المسعى”

“… أن الله يحتاج إلى استرضاء بالدم ليس جميلاً. إنه أمر فظيع”

 القيامة:

حدث تاريخي أم استعارة مفيدة؟

مع انخفاض تقدير الكتاب المقدس ورفض فكرة الكفارة ، فإن القطعة الدومينو التالية التي ستسقط بشكل طبيعي هي القيامة. إذا كانت الخطيئة لا تفصلنا عن الله ولم يكن على يسوع أن يموت حقًا للمصالحة والتحرير والاسترداد ، فإن قيامته الجسدية تصبح بلا معنى إلى حد ما.

بالتأكيد، ليس كل مسيحي ليبرالي ينكر القيامة الجسدية ليسوع. ومع ذلك، كما تعلمنا في المقال السابق من السلسلة دي ، انه بيتم التأكيد على الفعل أكثر من الإيمان. لذلك، يصبح ما يؤمن به المرء فعليًا بشأن القيامة أقل أهمية.

قبل بضع سنوات، نشرت كاتبة مسيحية تقدمية شهيرة مقال كتبه قائد مدارس أحد تقدمي عن كيفية التحدث إلى أطفالك عن عيد القيامة .

كتبت فيه :

“جوهر قصة عيد القيامة  ليس ما إذا كان يسوع قد قام من الموت حرفيًا أم لا. نحن نفتقد الهدف إذا كنا نتشاجر حول الدقة التاريخية لقيامة جسدية”.

وكملت النصيحة للآباء بانه عليهم انهم يتكلموا مع أطفالهم علي أن “القصص لا يجب أن تكون واقعية لكي نتحدث عن الحقيقة”.غالبًا ما يتم تحويل التركيز من كونه حقيقة تاريخية إلى الدروس التي يمكننا تعلمها من القصة. وهنا مربط الفرص والقضية الهامة : تحول من حقائق تاريخية لقصة رمزية يمكننا ان نستفاد منها ، فمتتعبش وتجهد نفسك في الوصول لأدلة لاثبات صحة الحدث من عدمه. ولكن كن ابسط من هذا وتعلم الدروس من القصة وكأنها زيها زي قصة سندرلا: المهم الدروس المستفادة.

• الجنة والجحيم والدينونة الأخيرة:

دعونا نلقي نظرة على لاهوت المسيحية التقدمية كمجموعة من أحجار البناء.

١- بدون الخطيئة والتكفير والقيامة، لا يوجد مكان لوضع كتلة الجنة والجحيم.

٢- إذا لم نكن مفصولين عن الله أبدًا في المقام الأول، فما الغرض من فصل الناس إلى الجنة والجحيم إلى الأبد؟

٣- هذا هو السبب في أن العديد من المسيحيين التقدميين يؤكدون على شكل من أشكال “العالمية” ، وهي فكرة أن جميع البشر (وفي بعض الحالات، كل الخليقة وحتى الملائكة الساقطة) سيتم إنقاذهم وقضاء الأبدية مع الله.

قالت نادية بولز ويبر:

“أعترف أنني اتبني وجهة نظر مسيحية .ما يعنيه ذلك بالنسبة لي هو أن أيًا كان ما كان الله يحققه، خاصة على الصليب، فإن هذا الحدث المسيحي كان لاستعادة وفداء ومصالحة كل الأشياء وجميع الناس وكل الخليقة – الجميع”.

أحد أشهر الكتب المسيحية على الإطلاق هو “الكوخ” ، واللي اتباع منه  اكتر من 20 مليون نسخة حتى الآن وكان على قائمة نيويورك تايمز لأفضل الكتب مبيعًا لمدة اكتر من سنتين ، وكمان اتعمل فيلم بنفس اسم الرواية.  كتب مؤلفه ويليام بول يونغ قبل بضع سنوات كتابًا بعنوان “الأكاذيب التي نؤمن بها عن الله” ، اللي من خلاله سلط الضوء على اللاهوت اللي ألهم  ليه كتابة رواية “الكوخ”. كتب فيه أنه يؤمن بأن الجميع سيخلصون، ويسمي هذا الرأي “الخلاص العالمي” .

ليه كل الكلام دا مهم؟

١- لان الجحيم هو طريقة الله لعزل الشر إلى الأبد.

٢- بشكل أساسي، فإن وعد الله بتجديد كل الأشياء ومسح كل دمعة من أعيننا يعتمد على حقيقة أنه سيتعامل مع الشر مرة واحدة وإلى الأبد.

٣- السماء هي ذروة خطة الله العظيمة للإنقاذ – خطة يقدمها للجميع، ونهاية سعيدة للقصة والرؤية المسيحية للبشرية.

٤- السما هو المكان الذي هيقضي فيه المؤمنين بالمسيح وبعمله الأبدية مع الله اللي بيحبوه.

٥- الجميع مدعوون، لكن مش الكل هيقبل الدعوه.

٦- الناس مش هتقبل تروح الجحيم او هتبقى عاوزه ، لكن هي بترفض السما عن وعي ، فأي مكان غير السما هيكون هو الجحيم .

٧- لا يمكن لإغتصاب الحرية ، واعتقد لو كان دا الوضع مكنش عمل كل دا من البداية وكان خلقنا كائنات بلا حرية.

في النهاية ..

١- القضايا المختلف عليها لاهوتيا مع المسيحية التقدمية مش مجرد قضايا ثانوية زي ما بيشير البعض . لكنها قضايا جوهرية في عمق الايمان المسيحي.

٢- الحركة المسيحية التقدمية بتقدم كتاب مقدس ليس له سلطة، ويسوع لم يمت من أجلك، وإله يجبرك علي النهاية.

ببساطة، بتقدم إنجيل آخر ممكن يبقى في وجهة نظرك انجيل أفضل ، احسن ، مش دي القضية ، لكن بالتأكيد هو إنجيل أخر غير اللي عاش عليه المسيحيين . وانا هنا مش بتكلم عن تفسيرات وتطور التفسير واللي طبيعي والمفروض يحصل. لكن بتكلم عن حقائق جوهرية في اصل الإيمان المسيحي. القضية هنا مش بس في مجرد مناقشة معتقدات ، لكن تأثير هذه المعتقدات في المجتمعات والواقع لانه في تكون تلك المعتقدات وجهة نظرنا للعالم بتتكون واللي علي اساسها بتتحدد اختيارتنا واولوياتنا. في رحلة ال Worldview  جزء من مكوناتها هي معتقداتنا واللي تبدوا انه القضية مع المسيحية التقدمية قضية لاهوتيه فقط ، لكن في الحقيقة لا ، احنا بنناقش قصة هيبقى ليها روية مختلفة لله وللانسان وللعالم و عليه هنعيش قصة مختلفة بداية من بداية القصة والاصل وفين البداية لحد النهاية وذروة القصة.

في المقال القادم، هنحكي عن: ثلاثة نصائح في الحوار مع المؤمنين بالمسيحية التقدمية.لكن في النهاية هسيب معاك عزيزي القارئ  سؤال يشرح ليك مدي تأثير وخطورة القضية.

“ما هو الخير؟”

ناقش تعريف الخير وكيف يشكل معتقداتنا حول من نحن، ومن هو الله، وكيف يكشف عن نفسه في العالم مفهومنا عن الخير وكيف يؤثر علي سلوكنا ورؤيتنا للواقع.