كل فترة على السوشيال ميديا بنلاقي أخبار عن قساوسة مسيحيين وكتاب ومشاهير يوتيوب وغيرهم بيعلنوا خروجهم من المسيحية أو تغييرهم للعقيدة المسيحية وافكارها بشكل كبير. القاسم المشترك بين قصص كتير منهم هو المسيحية التقدمية.

بس ايه هي المسيحية التقدمية؟ اصلا جاية منين؟ ليه بقت منتشرة كده؟ وأهم سؤال، هل المسيحية التقدمية فعلا بتتماشى مع تعاليم المسيح والكتاب المقدس؟ دول بس جزء من الأسئلة اللي هنحاول نجاوب عليها من خلال مقالات كتيرة مفصلة للباحثين والدارسين

 

ازاي وصلنا هنا: تاريخ المسيحية التقدمية

بعد ٣٠٠ سنة تقريبا من قيامة المسيح، فيه رجل اسمه أوغسطينوس وقع في مجموعة غريبة اسمها المانوية، آمنوا بالمسيح واستخدموا الكتاب المقدس عشان يدعموا أفكارهم، وكانوا بيقولوا ان مؤسسهم هو “روح الحق” اللي وعد بيه المسيح بعد صعوده للسما. بالرغم من ان اوغسطينوس اتربي على ايد ام مسيحية ملتزمة، إلا انه اتبهر بالوعود الجديدة والمغرية اللي بتقدم تفسير جديد للمسيحية اللي نشأ عليها. ومفاجأة، ان معتقداتهم كانت بتسمحله يكمل علاقاته مع بنات وهو لسه طالب لاهوت. كفيلسوف ومفكر عميق ، كان لأوغسطينوس أسئلة كتير خلت قادة المانوية في منطقته يتلغبطوا.

وعدوه انه لو يقابل واحد اسمه فوستوم هيتجاوب على كل اسئلته. فوستوم كان مشهور بكونه أكتر واحد ذكي ومفكر ومدافع عن المعتقدات المانوية. لما اوغسطينوس قدر يقابله أخيرا، اكتشف انه فعلا خطيب بارع زي ما الكل بيقول. لاحظ سحر فوستوم وكاريزمته. لكن بعد وقت ما لقاش اوغسطينوس حاجة تانية تثير اعجابه. فوستوم ماقدرش يجاوب على اسئلته، ودا اللي خلى أوغسطينوس يشك في معتقداته الجديدة.

المانويون كانوا بيؤمنوا ان تعاليم المسيح مش مكتملة وأن عندهم وحي هيوصل الدين الحقيقي للناس كلها. يعني كانوا بيؤمنوا ان الدين ممكن يتطور اكتر ما موجود في الكتاب المقدس. عشان يدافعوا عن الأفكار دي، فوستوم كتب ضد موثوقية الكتاب المقدس. كان بيحرف ويعيد تفسير ويحذف اجزاء من الكتاب المقدس اللي ماتتماشاش مع تفكير المانوية. بعد تحول اوغسطينوس للمسيحية، كتب رد قوي على هجوم فوستوم على صحة الكتاب المقدس. كتب وقال: ” لازم تقول بوضوح انك مش مؤمن بانجيل المسيح. لإن اللي بيصدق اللي عايزه ويعتبر اللي مش عايزه مش مظبوط، دا بيصدق نفسه مش بيصدق الانجيل”.

أوغسطينوس ضد فوستوم: صراع على حقيقة الإيمان

وضع أوغسطينوس إصبعه على حقيقة خالدة. المسيحية مش متطورة… واللي بيحاولوا يغيروها على حسب أفكارهم المسبقة عن مين هو الله و ايه هو الإنجيل لازم ما يحاولوش يحرفوا الكتاب المقدس عشان يثبتوا وجهة نظرهم. وبالتأكيد ماينفعوش يطلقوا على نفسهم “مسيحيين”. بس دا اللي كان بيحصل في وقت أوغسطينوس، ودا اللي بيحصل دلوقتي.

فيه حركة متنامية في الكنيسة بتحاول تعيد تفسير الكتاب المقدس وتعيد تقييم العقائد التاريخية وتعيد تعريف المبادئ الأساسية للإيمان. وفي نفس الوقت، الحركة دي بتقول على نفسها “مسيحية” وبتدعي انها بتتبع المسيح وبتفتخر بنظرتها العالية للكتاب المقدس. بس زي ما هنشوف في السلسلة دي، هم بيقودوا كتير من المسيحيين الغير دارسين ، وبيقدروا يضحكوا علي الناس ويبعدوهم عن ايه هو الكتاب المقدس، ايه اللي حققه المسيح على الصليب، وايه هي الأخبار السارة اللي بيعلنها الإنجيل.

بس ماينفعش نتضايق من أي حاجة من دي. من اول ما اتكتب العهد الجديد، بدأت البدع والعقائد الغلط تتسلل للكنيسة. بعد كل شيء، المسيح هو اللي حذرنا من كده ” ذئاب خاطفة”. ما حذرناش المسيح بس من ان المسيحيين هيكونوا عرضة للعقائد الغلط دي، بس قالنا ان التعاليم دي هيتنشر عن طريق ناس بيقولوا على نفسهم مسيحيين. هيكونوا زي الحملان في الشكل والسلوك والكلام. لكن كمان هيكونوا مفترسين وشرسين. يعني احنا بنتعامل مع اشخاص هم مش طيبين ولا قليلين ولا ضعاف. لكنهم : شرسين مش سهل الانتصار عليهم او الدفاع امامهم ، مش قليلين في المجتمع المسيحي والاكاديمي ايضا ، واصحاب شخصية قوية قادرين على التأثير.

المسيحية المولودة حديثا

في بداية الألفية الثالثة، اتجمع بعض القادة المسيحيين عشان يحاولوا يطوروا المسيحية عشان تتناسب مع العقلية ال post-modern اللي بدأت تنتشر في الثقافة. كانوا بيراجعوا الطرق اللي كانت الكنيسة بتستخدمها عشان توصل للناس. وبيشككوا في بعض العناصر اللي كانت موجودة في المسيحية الحديثة. بس مع بدء حركة التصوف والتركيز على الروحانية أكتر من الدين، الانتشار بقى اكبر واقوى ، خاصة انه مبينكرش الوحي ولا الاجزاء المهمة بشكل مباشر زي التقدمي، ودا مناسب للثقافة المصرية بتاعتنا، مع تبني بعض القادة المؤثرين في الوسط المسيحي ليها ، فبدأ يعبّر بعض علماء الدين و المدافعين عن الإيمان عن قلقهم من عدم وجود بيان إيماني واضح بين الناس اللي كانوا مشاركين في الحركة. مع ابتعاد اصحاب الحركة دي ” الروحانية اكثر من الدين والعقيدة ” عن مركزية العبادة والغوص في التصوف بغض النظر عن العقيدة والمعتقدات اللي فرقت بيننا، مع المناداة بالوحدة سواء بين طوائف مختلفة داخل الإيمان الواحد او خارجه حتى ، اكتسبت النسخة المختلفة دي من الإيمان شعبية بين الناس وتحديدا  وسط الناس اللي اتضايقوا وانفصلوا عن الكنيسة او عندهم مشاكل مع القادة وحصل ليهم ايذاء ، او مكانوش ملتزمين لفكر واضح وتعاليم معينة . ودا أدى لظهور “نوع جديد من المسيحية” من اشهر رواده في العالم براين ماكلارين اللي في كتابه اللي نشره سنة 2010 بعنوان ” A New Kind of Christianity”. بيناقش فيه فكرة الخليقة التي شوهتها الخطيئة والفساد الانساني، والفداء بتكفير الدم، واستعادة كل شيء في السماء، هي أفكار وثنية مستعارة من الفلسفة اليونانية الرومانية.

مع إنكارهم للخطيئة ، فساد الانسانية  ، وفدية دم المسيح . والتركيز على العدالة الاجتماعية، قوبلت هذه النسخة الجديدة من المسيحية بمعارضة قوية من قادة الكنيسة. قادة الكنيسة يبدوا انهم انتصروا لانه الحركة خفت واختفت. لكن في رأيي الشخصي ان الحركة بقيت أقوى من أي وقت فات. صح ان الحركة تبدوا انها  اختفت واندفنت ، لكن انا بقول انها كبرت وزاد عددها، وظهرت بشكل جديد باسم “المسيحية التقدمية”.

بس نظرة على تاريخ الكنيسة هتخلينا نشوف ان كل جيل من المسيحيين واجه بدع وحركات غريبة وذئاب في ثياب حملان. تقريبا في نهاية القرن الأول، كتب احد اباء الكنيسة  إغناطيوس واللي كان بيكتب خطاباته وكلامه في مواجهة الغنوصيين ، بيقول:

“لأن هؤلاء [المؤمنون بهذه الأفكار الغنوصية ] يخلطون يسوع المسيح بسموم أنفسهم، ويتكلمون بما لا يستحق، مثل الذين يحقنون في الخمر المخدر القاتل، الذي يجهله ويتناوله بطمع، مع اللذة القاتلة التي تؤدي إلى موته… لأنهم يتكلمون عن المسيح، لا ليبشروا بالمسيح، بل ليرفضوا المسيح؛ وهم يتكلمون عن الناموس، لا ليثبتوا الناموس، بل لينادوا بأمور مخالفة له. لأنهم يُبعدون المسيح عن الآب، والناموس عن المسيح. كما يفترون على ولادته من العذراء. يخجلون من صليبه. ينكرون آلامه. ولا يؤمنون بقيامته»..

بشعر انه الكلام دا كأنه اتكتب عن الحركة التقدمية دلوقتي. زي ما هنشوف في المقالة الجاية، المسيحيين التقدميين بيتعاملوا مع يسوع على انه ضد إله العهد القديم، وبيقولوا ان الكفارة هي “اعتداء” ، وبيركزوا على القيامة كأنها رمز مفيد أكتر من كونها حقيقة تاريخية. باستخدام كتير من نفس الكلمات، والاحتفاظ بلقب “مسيحي”، بيخلطوا يسوع المسيح بسمهم.

بس زي ما واجه أوغسطينوس فوستوم ، وإغناطيوس الغنوصيين، محتاج انت كمان تعرف الإنجيل التاريخي ليسوع المسيح وتتعمق في البحث والمعرفة . دورنا دلوقتي هو اننا نتكلم بالصدق في وسط الأكاذيب، وعندنا شهادة المؤمنين في الكنيسة التاريخية اللي راسخة في اعلان الحقائق وبشكل ملهم ومختلف ومتميز وقادر على الصمود ، مش اعلان هش ضعيف خالي من المنطق والادلة والمعلومات الحقيقية المعلنة. تاريخ الكنيسة بيدينا رؤية مختلفة وقراءة للواقع بشكل حقيقي .  كمان بيقدموا لينا تحديات الخطاب المسيحي في عصر زي دا ، واللي برضو هتدينا الشجاعة عشان نعمل كده النهاردة . المقال القادم هنتكلم فيه عن السمات الثقافية للمسيحية التقدمية في العصر الحالي.