مقدمة عن الكتاب

قليلون منا يحبون التفكير في الجحيم. فكرة أن هناك مكانًا أبديًا للعذاب قد تبدو للبعض مرعبة، أو حتى غير منطقية. ومع ذلك، فإن الجحيم ظل دائمًا موضوعًا حيًّا في قلب الإيمان المسيحي. كتاب «أربع وجهات نظر عن الجحيم» هو محاولة جادة وصادقة لإعادة فتح هذا النقاش: ما هو الجحيم حقًا؟ هل هو مكان حقيقي بنار ولهيب؟ أم مجرد صورة رمزية؟ أم فرصة للتطهير؟ أم أنه ينتهي بفناء الأشرار؟

في الكتاب، يجلس أربعة أساتذة لاهوت كبار إلى «مائدة فكرية» ويتحدث كل منهم من قلب قناعاته وإيمانه وفلسفته. كل واحد يقدّم رؤيته، ويستمع باحترام ويناقش الرؤى الأخرى.

في هذا المقال، سأخذك معي إلى الرؤية الأولى: الرؤية الحرفية للجحيم، كما عبّر عنها الدكتور جون ف. والڤورد، مع ردود الآخرين عليها.

ملخص الرؤية الأولى: الجحيم كما هو… نار حقيقية وعذاب لا ينتهي

«أنا أعلم أن فكرة الجحيم مزعجة لكثير من المسيحيين. كيف يمكن لإله يحبنا أن يسمح بعذاب أبدي؟» بهذه الصراحة بدأ والڤورد حديثه. لكنه أجاب على نفسه قائلًا: «هذا ليس ما نود أن نؤمن به، لكنه ما يعلّمه الكتاب المقدس بوضوح».

في نظر والڤورد، الجحيم ليس استعارة ولا مجازًا. بل هو مكان حقيقي، ملموس، فيه نار ولهيب، وألم جسدي ونفسي أبدي. يقول: «إن نفس الكلمة اليونانية التي تصف “الحياة الأبدية” تستخدم أيضًا لوصف “العقاب الأبدي”. إذا كانت الجنة بلا نهاية، فكذلك الجحيم».

والڤورد يرى أن أوصاف المسيح للجحيم في الأناجيل (النار التي لا تُطفأ، البكاء وصرير الأسنان، الظلمة الخارجية) كلها ليست صورًا شعرية، بل حقيقة روحية ومادية معًا. الجحيم عنده شهادة على قداسة الله وعدله. لأن الله قدوس، لا يمكن أن يسمح للخطيئة أن تمر دون حساب.

من يؤمن بهذه الرؤية؟

الرؤية الحرفية للجحيم كانت دائمًا الأكثر انتشارًا في تاريخ المسيحية. آمن بها:

  • القديس أوغسطينوس الذي كتب عن «العذاب الأبدي العادل».
  • توما الأكويني الذي حاول أن يفسّر لماذا يجب أن يكون العذاب أبديًا.
  • جوناثان إدواردز الذي رسم صورة الجحيم ببلاغة مرعبة في وعظاته.
  • وفي العصر الحديث: جون والڤورد نفسه يدافع عنها بإصرار.

لماذا يعتقدون بهذا الرأي؟ (أسسه اللاهوتية والفلسفية والكتابية)

لاهوتيًا:

لأن الله عادل كما أنه محبة. إذا كان الله عادلًا، فلا بد أن تكون هناك عدالة أبدية للخطيئة التي هي تمرد على الله اللامتناهي.

فلسفيًا:

لو أن الشر والتمرد لا يُحاسبان حسابًا جديًا، لانتفى المعنى الأخلاقي للوجود. العدالة تعني أن الظالمين لا يمكن أن يخرجوا سالمين.

كتابيًا:

والڤورد يعود دائمًا إلى نصوص صريحة:

  • متى ٢٥:٤٦: «فيمضي هؤلاء إلى عذاب أبدي، والأبرار إلى حياة أبدية».
  • رؤيا ٢٠:١٠: «ويعذبون نهارًا وليلًا إلى أبد الآبدين».
  • مرقس ٩:٤٨: «حيث دودهم لا يموت والنار لا تطفأ».

ماذا قال الآخرون عن هذه الرؤية؟

ويليام كروكيت (الرؤية المجازية):

قال: «النار والظلمة لا يمكن أن يجتمعا حرفيًا. النار تضيء والظلام يحجب النور. إذًا هي صور بلاغية لتوصيل فكرة العزلة والانفصال عن الله».

زكريا هايز (الرؤية المطهّرة):

قال: «في التقليد الكاثوليكي، الجحيم يعكس فقدان الشركة مع الله، لكنه قد يظل ديناميكيًا، مفتوحًا على النعمة…».

كلارك بينوك (الرؤية الشرطية/الفنائية):

قال: «الإله الذي يعذب كائناته إلى الأبد لا يشبه إله الإنجيل… بل يبدو كإله وثني متعطش للانتقام».

ما مميزات وعيوب الرؤية الحرفية؟

قوتها:

  • تأخذ النصوص الكتابية كما هي بدون تلاعب.
  • تبرز قداسة الله وعدله بشكل واضح.
  • تعكس الجدية الأخلاقية للإنسان وخياراته.

ضعفها:

  • تبدو متناقضة أحيانًا (النار والظلمة معًا).
  • تجعل الله يبدو قاسيًا في نظر البعض.
  • تهمل ربما الطابع الرمزي في النصوص.

لماذا الرؤية الحرفية مهمة رغم صعوبتها؟

رغم أنها رؤية ثقيلة على القلب والعقل، إلا أنها تجعلنا نأخذ خطايانا بجدية، ونفكر في نتائج حياتنا. قال والڤورد: «الإنسان قد لا يحب التفكير في العقاب الأبدي، لكنه لا يستطيع أن يتجاهل حقيقة أنه مسؤول أمام الله عن حياته وأعماله».

كلمة للقارئ

قد تكون فكرة الجحيم الحرفي صعبة الهضم على الكثيرين، لكنها دعوة لكل واحد منا أن يتوقف لحظة، ويفكر: «ماذا يعني أن أعيش حياتي أمام إله عادل؟». هل يجب أن نفكر في الجحيم فقط كعذاب؟ أم أيضًا كتحذير يحمل في طياته رجاء أن نختار الطريق الصحيح الآن؟ ام انه هو الاختيار الامثل لاناس رفضوا الله عن وعي ؟ ام نحتاج لمراجعة القضية ، حيث قبول الفكرة ، ورفض الصورة ؟

.في المقال القادم سوف نقدم الرؤية الثانية للجحيم والتي قد تعطينا صورة اخرى للجحيم يمكن ان تجعلنا نفكر في الأمر بشكل آخر

 

الكتاب

Four Views on Hell Paperback – January 6, 1997.
by Zondervan (Author), William Crockett (Editor), Stanley N. Gundry (Series Editor), John F. Walvoord (Contributor), Zachary J. Hayes (Contributor), Clark H. Pinnock (Contributor)