Jul 22, 2025 | مقالات, تلخيص كتاب, فلسفية, لاهوت
مقدمة عن الكتاب
كتاب «أربع وجهات نظر عن الجحيم» لا يكتفي بعرض رأي واحد، بل يقدّم حوارًا غنيًا بين أربعة لاهوتيين مسيحيين حول طبيعة الجحيم ومصير الأشرار.
في هذا الكتاب، نرى أربع إجابات لسؤال صعب: ماذا يحدث لمن يرفض الله؟ هل يتعذب إلى الأبد؟ أم يعيش عزلة روحية أبدية؟ أم يطهَّر؟ أم يفنى تمامًا؟
في هذا المقال نناقش الرؤية الرابعة: الرؤية الشرطية أو الفنائية، كما عبّر عنها الدكتور كلارك بينوك. رؤية جريئة ومختلفة تطرح أن الأشرار ببساطة يفنون، بدلاً من أن يعيشوا في عذاب أبدي.
ملخص الرؤية الرابعة: الجحيم كفناء نهائي
يبدأ كلارك بينوك مقاله بنقد الرؤية التقليدية التي تقول إن الجحيم عذاب أبدي. برأيه، هذه الفكرة تجعل الله يبدو ظالمًا وقاسيًا:
«إله الإنجيل لا يمكن أن يكون إلهًا يعذب مخلوقاته إلى الأبد في نار لا تنطفئ».
الرؤية الشرطية تقول إن الخلود ليس صفة أبدية في طبيعة الإنسان، بل عطية يمنحها الله للمؤمنين. من يرفض الله ويرفض نعمته، لا ينال الحياة الأبدية، بل يُفنى في النهاية.
في رأي بينوك، العذاب الأبدي يتناقض مع طبيعة الله المحبّة، بينما الفناء النهائي عادل ومنطقي.
من يؤمن بهذه الرؤية؟
الرؤية الفنائية لها أنصارها بين بعض:
- بعض اللاهوتيين الإنجيليين.
- حركات مثل الأدفنتست السبتيين.
- شخصيات بارزة مثل إدوارد فيدلي وبروس وينتر.
في الكتاب، بينوك يمثّل هذا التيار، الذي يرى أن العقوبة حقيقية وجدّية، لكنها ليست أبدية.
لماذا يعتقدون بهذا الرأي؟ (أسسه اللاهوتية والفلسفية والكتابية)
لاهوتيًا:
الله قدوس وعادل، لكنه أيضًا رحيم. معاقبة كائن محدود الأجل بعذاب أبدي تبدو غير متوازنة مع عدالة الله.
فلسفيًا:
من الصعب تخيّل وجود «سجن أبدي» مليء بالكائنات المعذبة إلى الأبد، بينما في الوقت نفسه الله يعلن أنه سيجعل «كل شيء جديدًا».
كتابيًا:
يستشهد بينوك بنصوص تقول إن أجرة الخطية هي «الموت» (رومية ٦:٢٣)، وأن «الله قادر أن يهلك النفس والجسد كليهما في جهنم» (متى ١٠:٢٨).
برأيه، «الهلاك» يعني الفناء، وليس البقاء في حالة تعذيب دائم.
ماذا قال الآخرون عن هذه الرؤية؟
جون والڤورد (الرؤية الحرفية):
رأى أن بينوك يسيء فهم النصوص، وأن وصف الجحيم بأنه «أبدي» واضح في العهد الجديد.
ويليام كروكيت (الرؤية المجازية):
رأى أن بينوك على الأقل يحاول التوفيق بين محبة الله وعدله، لكنه انتقده لأنه يقلّل من رهبة الدينونة.
زكريا هايز (الرؤية التطهيرية):
رأى أن الرؤية الفنائية تفشل لأنها تلغي حرية الإنسان في اختيار العودة إلى الله حتى في الجحيم.
ما مميزات وعيوب الرؤية الفنائية؟
قوتها:
- تحافظ على صورة الله كمحب وعادل.
- تتجنب فكرة وجود «عذاب أبدي» لا يتناسب مع أفعال بشرية محدودة.
- مدعومة بنصوص كتابية يمكن تفسيرها لصالحها.
ضعفها:
- قد تُتهم بأنها تقلل من خطورة الدينونة.
- تخالف التفسير التقليدي لمعظم نصوص «العذاب الأبدي».
- قد تُساء فهمها لتبرير اللامبالاة الروحية.
لماذا الرؤية الفنائية مهمة؟
الرؤية الفنائية مهمة لأنها تعيد النقاش حول طبيعة الله ومصير الإنسان في ضوء المحبة والعدل. تدعو المؤمنين إلى التفكير في الجحيم كعدالة نهائية، لكن دون أن تكون وحشية.
يقول بينوك: «الله لا يسرّ بموت الشرير، لكنه لا يجبره على الحياة الأبدية إن رفضها. فرفض النور معناه اختيار الظلمة والانتهاء».
خاتمة: أربعة أصوات، وحقيقة واحدة
كتاب «أربع وجهات نظر عن الجحيم» ليس مجرد جدل نظري بين أربعة علماء لاهوت، بل هو مرآة تعكس لنا كم أن موضوع الجحيم عميق، وصعب، ويمس كل واحد منا في قلبه.
كل واحد من الكتّاب الأربعة جاء بصوت مختلف:
- جون والڤورد دافع عن الرؤية الحرفية، حيث الجحيم نار حقيقية وعذاب أبدي، شهادة على عدالة الله وقداسته.
- ويليام كروكيت قدّم الرؤية المجازية، حيث الجحيم ألم نفسي وانفصال عن الله، معبَّر عنه بلغة رمزية.
- زكريا هايز عبّر عن الرؤية التطهيرية، حيث الجحيم مرحلة من الألم تهدف في النهاية إلى المصالحة مع الله.
- وأخيرًا، كلارك بينوك دعا إلى الرؤية الشرطية/الفنائية، حيث الأشرار يُفنون ولا يظلون في عذاب أبدي.
كل واحد منهم حاول أن يقرأ النصوص الكتابية والواقع البشري، وأن يصوغ رؤية تعكس قداسة الله، وعدله، ومحبته في آنٍ واحد.
ربما لا نجد جميعنا نفس الإجابة، لكننا لا نستطيع أن نتجاهل السؤال. الجحيم، مهما اختلفنا في تعريفه، هو تذكير خطير بأن حياتنا اليوم لها وزن أبدي، وأن قراراتنا الروحية حقيقية.
كلمة أخيرة
في النهاية، الجحيم ليس مجرد فكرة أو عقيدة.وبغض النظر عن اي نظرية سوف تتبناها ، لكنها دعوة لأن نعيش الآن في نور الله، مصالَحين معه من خلال مع فعله في المسيح يسوع، ممتلئين برجاء الحياة الأبدية وذروة قصة حياتنا وعمق قيمتها.
الكتاب
Four Views on Hell Paperback – January 6, 1997.
by Zondervan (Author), William Crockett (Editor), Stanley N. Gundry (Series Editor), John F. Walvoord (Contributor), Zachary J. Hayes (Contributor), Clark H. Pinnock (Contributor)
Jul 22, 2025 | مقالات, تلخيص كتاب, فلسفية, لاهوت
مقدمة عن الكتاب
كتاب «أربع وجهات نظر عن الجحيم» لا يقدّم مجرد جدال لاهوتي جاف، بل هو حوار حي بين أربع مدارس فكرية مسيحية تحاول أن تفهم هذا اللغز الكبير: الجحيم.
هل هو نار أبدية لا تنطفئ؟ أم رمز لحالة من الانفصال عن الله؟ أم خطوة ضمن مسار تطهيري يفضي في النهاية إلى الشركة الكاملة مع الله؟ أم أن الأشرار يفنون في النهاية؟
في هذا المقال، نركّز على الرؤية الثالثة: الرؤية التطهيرية أو الكاثوليكية، كما عبّر عنها الأب زكريا هايز. رؤية تختلف عن سابقتيها لأنها لا ترى الجحيم نهاية مغلقة، بل مرحلة ديناميكية قد تنتهي بالعودة إلى الله.
ملخص الرؤية الثالثة: الجحيم كمرحلة تطهير
الأب زكريا هايز يبدأ حديثه بتذكيرنا بأننا لا نتعامل مع «عقيدة رياضية»، بل مع سرّ الله وعمله مع الإنسان. يقول: «الله لا يتوقف عن السعي وراء البشر حتى النهاية. وحتى في الجحيم، لا يمكن استبعاد إمكانية النعمة».
في الرؤية الكاثوليكية التقليدية، الجحيم عقوبة حقيقية وأليمة، لكنها ليست بالضرورة عقوبة أبدية غير قابلة للنقاش.
يرى هايز أن الجحيم يمكن فهمه كحالة تطهير مؤلمة للنفس، تخلّصها من خطاياها وتردّها إلى الله. إنها ليست مجرّد عقوبة انتقامية، بل جزء من محبة الله التي «لا تفشل».
برأيه، الإنسان يختار رفض الله بحرية، لكن الله يبقى حاضرًا حتى في الجحيم، منتظرًا فتح القلب.
من يؤمن بهذه الرؤية؟
الرؤية التطهيرية تمثل التيار الكاثوليكي إلى حد كبير، خاصة في فهمه لعقيدة المطهر، وإن كان هايز لا يخلط تمامًا بين الجحيم والمطهر.
كذلك بعض اللاهوتيين الأرثوذكس الشرقيين لديهم ميول قريبة إلى هذه الرؤية.
هايز يمثل داخل الكتاب صوت الكنيسة الكاثوليكية التي ترفض أن تقدّم الجحيم وكأنه تعبير عن «قسوة الله»، وتصر بدلاً من ذلك على أن عدالة الله دائمًا محاطة برحمته.
لماذا يعتقدون بهذا الرأي؟ (أسسه اللاهوتية والفلسفية والكتابية)
لاهوتيًا:
الله محبة لا تنتهي، وهذه المحبة أقوى من خطايا الإنسان. الجحيم لا يلغي حرية الإنسان، لكنه لا يلغي أيضًا تصميم الله على خلاص البشرية. الجحيم، في نظر هايز، هو مكان الإنسان الذي يرفض الله، لكنه في الوقت نفسه مكان حضور الله المنتظر للتوبة.
فلسفيًا:
من الصعب قبول أن كائنًا بشريًا محدودًا يمكن أن يرتكب خطايا تستحق عقوبة أبدية بلا رجعة. الرؤية التطهيرية تحاول أن توازن بين عدالة الله ومحبته.
كتابيًا:
هايز يلمّح إلى نصوص تشهد لطول أناة الله ورغبته في أن «الجميع يخلصون» (١ تيموثاوس ٢:٤).
كما يرى أن صور الدينونة في الأناجيل ليست نهائية بقدر ما هي دعوة للتوبة الآن.
ماذا قال الآخرون عن هذه الرؤية؟
جون والڤورد (الرؤية الحرفية):
رفض الرؤية التطهيرية بشدّة، معتبرًا إياها تقليلاً من جدية الدينونة. قال إن الكتاب المقدس واضح في أن العقوبة أبدية ولا رجوع فيها.
ويليام كروكيت (الرؤية المجازية):
رأى أن هايز يبالغ في التأكيد على الرحمة، لكنه يتفق معه أن أوصاف الجحيم رمزية وليست حرفية.
كلارك بينوك (الرؤية الشرطية/الفنائية):
رأى أن موقف هايز يتجاهل ببساطة أن الموتى الذين رفضوا الله لا يعودون. بل عنده، الأشرار يفنون تمامًا، ولا حاجة لرؤية «مطهرة».
ما مميزات وعيوب الرؤية التطهيرية؟
قوتها:
- تقدم صورة متوازنة بين عدل الله ومحبته.
- تشجّع على الرجاء حتى في مواجهة الدينونة.
- تتوافق مع الطابع الرمزي لبعض نصوص الدينونة.
ضعفها:
- قد يُنظر إليها كتخفيف من جدية الخطيئة.
- قد تعطي انطباعًا أن الإنسان يمكن أن يرفض الله الآن بلا عواقب جدية.
- ليس لها نصوص كتابية حاسمة تؤيدها صراحة.
لماذا الرؤية التطهيرية مهمة؟
الرؤية التطهيرية مهمة لأنها تمنح الإنسان رجاءً حتى وهو يواجه فكرة الجحيم. تذكّرنا أن الله لا يتركنا حتى في أسوأ لحظاتنا، وأن رحمته أكبر من خطايانا.
يقول هايز: «الجحيم ليس المكان الذي يُلقي الله فيه الناس، بل هو المكان الذي يختاره الناس لأنفسهم. ومع ذلك، الله يدخل إليه وينتظر».
كلمة للقارئ
الرؤية التطهيرية لا تلغي رهبة الجحيم، لكنها تضعها في إطار أكبر من الرجاء والنعمة. ربما تتفق معها أو تعارضها، لكنها تدعوك لتتأمل في عمق محبة الله الذي «يريد أن الجميع يخلصون». الجحيم قد يكون اختيار الإنسان، لكنه لا يلغي قلب الله المحب.
في المقال الرابع سوف نناقش آخر نظرة في هذا الكتاب المهم وهي النظرة الشرطية/ الفنائية
الكتاب
Four Views on Hell Paperback – January 6, 1997.
by Zondervan (Author), William Crockett (Editor), Stanley N. Gundry (Series Editor), John F. Walvoord (Contributor), Zachary J. Hayes (Contributor), Clark H. Pinnock (Contributor)
Jul 22, 2025 | مقالات, تلخيص كتاب, فلسفية, لاهوت
مقدمة عن الكتاب
في كتاب «أربع وجهات نظر عن الجحيم»، يستعرض أربعة لاهوتيين بارزين رؤى مختلفة تمامًا عن طبيعة الجحيم. بينما يرى البعض أنه نار حرفية لا تنطفئ، يصر آخرون على أنه مجاز لمعاناة أعمق من مجرد لهب. وفي هذا المقال، نقترب من الرؤية الثانية: الرؤية المجازية، كما عبّر عنها الدكتور ويليام كروكيت. كروكيت يقدّم لنا صورة مختلفة للجحيم: مكان مؤلم، نعم، لكنه ليس مليئًا بالحرائق والدخان حرفيًا، بل مليء بالندم والانفصال عن الله. في رأيه، علينا أن نفهم لغة الكتاب المقدس عن الجحيم باعتبارها رمزية تشير إلى حقيقة روحية أعمق.
ملخص الرؤية الثانية: الجحيم كحالة من العزلة والانفصال
يبدأ كروكيت عرضه باعتراف: «لا أحد يحب الحديث عن الجحيم، لكنها حقيقة كتابية لا يمكن إنكارها». لكنه يرفض أن تكون النار المذكورة في النصوص تعني نارًا حرفية. بدلاً من ذلك، يرى أن الجحيم هو حالة روحية من الانفصال الكامل عن الله، تُعبَّر عنها بألفاظ مجازية قوية لتوصيل الرهبة والجدية. يقول: «النار والظلمة لا يمكن أن يجتمعا حرفيًا. النار تضيء بينما الظلمة تحجب النور. إذًا هما صورتان شعريتان للتعبير عن عذاب الجحيم كفقدان لحضور الله».
برأيه، الجحيم حقيقي بكل تأكيد، لكن المعاناة فيه نفسية وروحية وليست جسدية. النصوص مثل «البكاء وصرير الأسنان» أو «النار الأبدية» هي استعارات تعكس أعمق ألم يمكن أن يعيشه الإنسان: الشعور بالذنب، العزلة، فقدان الرجاء.
من يؤمن بهذه الرؤية؟
الرؤية المجازية للجحيم لها حضور بين:
- بعض المفكرين واللاهوتيين البروتستانت .
- عدد من اللاهوتيين الكاثوليك المعاصرين.
- شخصيات بارزة مثل سي. إس. لويس الذي قال إن «أبواب الجحيم مغلقة من الداخل»، مشيرًا إلى أن المعاناة اختيار داخلي للإنسان أكثر منها نار خارجية.
كروكيت يمثل هذا الاتجاه في الكتاب، الذي يحاول أن يوفّق بين النصوص الكتابية وصورة الله المحبّة.
لماذا يعتقدون بهذا الرأي؟ (أسسه اللاهوتية والفلسفية والكتابية)
لاهوتيًا:
الله قدوس وعادل، لكن من الصعب تخيل أنه سيعذب كائناته بنار حرفية أبدية. الرؤية المجازية تقول إن الألم حقيقي لكنه نفسي وروحي، نتيجة انفصال الإنسان عن خالقه.
فلسفيًا:
يصعب التوفيق بين صورة الله المحبّ وفكرة الله كمن يشعل نيرانًا مادية في بشره إلى الأبد.
كتابيًا:
كروكيت يرى أن النصوص الكتابية تستخدم صورًا رمزية في مواضع كثيرة: «الرب راعي» أو «صخرة خلاصي»، وهكذا النار والظلمة هنا رموز لمعاناة أعمق.
- مرقس ٩:٤٨: «حيث دودهم لا يموت والنار لا تطفأ».
في رأيه: النار والدود هما استعارتان للندم المستمر والضمير المعذب.
ماذا قال الآخرون عن هذه الرؤية؟
جون والڤورد (الرؤية الحرفية):
اعترض بشدة على تخفيف حدة النصوص. قال إن النصوص واضحة ويجب أخذها بجدية. برأيه: «إذا كانت النار مجرد مجاز، لماذا يأخذ يسوع الجحيم على محمل الجد ويحذّر منه هكذا؟».
زكريا هايز (الرؤية المطهّرة):
رأى أن كروكيت قريب منه في كونه لا يرى الجحيم نارًا حرفية، لكنه يختلف في أنه يعتقد بإمكانية الخلاص بعد الجحيم، وهو ما لا يقبله كروكيت.
كلارك بينوك (الرؤية الشرطية/الفنائية):
رأى أن كروكيت على الأقل يحاول التوفيق بين النصوص وصورة الله، لكنه انتقده لأنه يبقي على فكرة أبدية الجحيم، بينما يرى بينوك أن الأشرار يفنون في النهاية.
ما مميزات وعيوب الرؤية المجازية؟
قوتها:
- تجعل النصوص الكتابية أكثر انسجامًا مع محبة الله.
- تحافظ على جدية الجحيم دون تقديم صورة بشعة لله.
- تتعامل مع لغة الكتاب المقدس كما يتعامل المفسرون مع استعارات أخرى.
ضعفها:
- قد يراها البعض تهوينًا من العقوبة.
- قد تفتح الباب لإنكار الجحيم كليًا.
- قد يُتهم أصحابها بعدم أخذ نصوص الدينونة بجدية كافية.
لماذا الرؤية المجازية مهمة؟
الرؤية المجازية مهمة لأنها تساعد على التفكير العميق في معنى الجحيم الحقيقي، لا كعقوبة جسدية فقط، بل كألم داخلي وحقيقي لغياب الله. الجحيم، بهذه الرؤية، ليس بالضرورة مكانًا مليئًا بالحرائق، بل قلب مليء باليأس. يقول كروكيت: «أسوأ ما في الجحيم هو أنك فيه وحدك، بعيد عن الله، بلا أمل، بلا نور».
كلمة للقارئ
ربما لا تقتنع تمامًا بالرؤية المجازية، لكن لا شك أن ما تقدّمه لنا هو دعوة للتفكير: ما هو الجحيم بالنسبة لك؟ هل هو نار حرفية؟ أم ألم داخلي؟ أم الاثنان معًا؟ في النهاية، الأهم هو أن نسعى اليوم إلى الشركة مع الله، فلا نختبر لا هذا ولا ذاك.
ولكن قد تفتح تلك النظرة لنا بابا آخر في التفكير في النصوص وتوافقها ، وقد تكون بابا لرؤية الله والجحيم بشكل أعمق ، ولكن من منظور مختلف. ولكنها ليست النظرة الأخيرة في هذا الكتاب ، ولهذا سوف نناقش في المقال الثالث النظرة الكاثوليكية للجحيم.
الكتاب
Four Views on Hell Paperback – January 6, 1997.
by Zondervan (Author), William Crockett (Editor), Stanley N. Gundry (Series Editor), John F. Walvoord (Contributor), Zachary J. Hayes (Contributor), Clark H. Pinnock (Contributor)
Jul 20, 2025 | مقالات, تلخيص كتاب, فلسفية, لاهوت
مقدمة عن الكتاب
قليلون منا يحبون التفكير في الجحيم. فكرة أن هناك مكانًا أبديًا للعذاب قد تبدو للبعض مرعبة، أو حتى غير منطقية. ومع ذلك، فإن الجحيم ظل دائمًا موضوعًا حيًّا في قلب الإيمان المسيحي. كتاب «أربع وجهات نظر عن الجحيم» هو محاولة جادة وصادقة لإعادة فتح هذا النقاش: ما هو الجحيم حقًا؟ هل هو مكان حقيقي بنار ولهيب؟ أم مجرد صورة رمزية؟ أم فرصة للتطهير؟ أم أنه ينتهي بفناء الأشرار؟
في الكتاب، يجلس أربعة أساتذة لاهوت كبار إلى «مائدة فكرية» ويتحدث كل منهم من قلب قناعاته وإيمانه وفلسفته. كل واحد يقدّم رؤيته، ويستمع باحترام ويناقش الرؤى الأخرى.
في هذا المقال، سأخذك معي إلى الرؤية الأولى: الرؤية الحرفية للجحيم، كما عبّر عنها الدكتور جون ف. والڤورد، مع ردود الآخرين عليها.
ملخص الرؤية الأولى: الجحيم كما هو… نار حقيقية وعذاب لا ينتهي
«أنا أعلم أن فكرة الجحيم مزعجة لكثير من المسيحيين. كيف يمكن لإله يحبنا أن يسمح بعذاب أبدي؟» بهذه الصراحة بدأ والڤورد حديثه. لكنه أجاب على نفسه قائلًا: «هذا ليس ما نود أن نؤمن به، لكنه ما يعلّمه الكتاب المقدس بوضوح».
في نظر والڤورد، الجحيم ليس استعارة ولا مجازًا. بل هو مكان حقيقي، ملموس، فيه نار ولهيب، وألم جسدي ونفسي أبدي. يقول: «إن نفس الكلمة اليونانية التي تصف “الحياة الأبدية” تستخدم أيضًا لوصف “العقاب الأبدي”. إذا كانت الجنة بلا نهاية، فكذلك الجحيم».
والڤورد يرى أن أوصاف المسيح للجحيم في الأناجيل (النار التي لا تُطفأ، البكاء وصرير الأسنان، الظلمة الخارجية) كلها ليست صورًا شعرية، بل حقيقة روحية ومادية معًا. الجحيم عنده شهادة على قداسة الله وعدله. لأن الله قدوس، لا يمكن أن يسمح للخطيئة أن تمر دون حساب.
من يؤمن بهذه الرؤية؟
الرؤية الحرفية للجحيم كانت دائمًا الأكثر انتشارًا في تاريخ المسيحية. آمن بها:
- القديس أوغسطينوس الذي كتب عن «العذاب الأبدي العادل».
- توما الأكويني الذي حاول أن يفسّر لماذا يجب أن يكون العذاب أبديًا.
- جوناثان إدواردز الذي رسم صورة الجحيم ببلاغة مرعبة في وعظاته.
- وفي العصر الحديث: جون والڤورد نفسه يدافع عنها بإصرار.
لماذا يعتقدون بهذا الرأي؟ (أسسه اللاهوتية والفلسفية والكتابية)
لاهوتيًا:
لأن الله عادل كما أنه محبة. إذا كان الله عادلًا، فلا بد أن تكون هناك عدالة أبدية للخطيئة التي هي تمرد على الله اللامتناهي.
فلسفيًا:
لو أن الشر والتمرد لا يُحاسبان حسابًا جديًا، لانتفى المعنى الأخلاقي للوجود. العدالة تعني أن الظالمين لا يمكن أن يخرجوا سالمين.
كتابيًا:
والڤورد يعود دائمًا إلى نصوص صريحة:
- متى ٢٥:٤٦: «فيمضي هؤلاء إلى عذاب أبدي، والأبرار إلى حياة أبدية».
- رؤيا ٢٠:١٠: «ويعذبون نهارًا وليلًا إلى أبد الآبدين».
- مرقس ٩:٤٨: «حيث دودهم لا يموت والنار لا تطفأ».
ماذا قال الآخرون عن هذه الرؤية؟
ويليام كروكيت (الرؤية المجازية):
قال: «النار والظلمة لا يمكن أن يجتمعا حرفيًا. النار تضيء والظلام يحجب النور. إذًا هي صور بلاغية لتوصيل فكرة العزلة والانفصال عن الله».
زكريا هايز (الرؤية المطهّرة):
قال: «في التقليد الكاثوليكي، الجحيم يعكس فقدان الشركة مع الله، لكنه قد يظل ديناميكيًا، مفتوحًا على النعمة…».
كلارك بينوك (الرؤية الشرطية/الفنائية):
قال: «الإله الذي يعذب كائناته إلى الأبد لا يشبه إله الإنجيل… بل يبدو كإله وثني متعطش للانتقام».
ما مميزات وعيوب الرؤية الحرفية؟
قوتها:
- تأخذ النصوص الكتابية كما هي بدون تلاعب.
- تبرز قداسة الله وعدله بشكل واضح.
- تعكس الجدية الأخلاقية للإنسان وخياراته.
ضعفها:
- تبدو متناقضة أحيانًا (النار والظلمة معًا).
- تجعل الله يبدو قاسيًا في نظر البعض.
- تهمل ربما الطابع الرمزي في النصوص.
لماذا الرؤية الحرفية مهمة رغم صعوبتها؟
رغم أنها رؤية ثقيلة على القلب والعقل، إلا أنها تجعلنا نأخذ خطايانا بجدية، ونفكر في نتائج حياتنا. قال والڤورد: «الإنسان قد لا يحب التفكير في العقاب الأبدي، لكنه لا يستطيع أن يتجاهل حقيقة أنه مسؤول أمام الله عن حياته وأعماله».
كلمة للقارئ
قد تكون فكرة الجحيم الحرفي صعبة الهضم على الكثيرين، لكنها دعوة لكل واحد منا أن يتوقف لحظة، ويفكر: «ماذا يعني أن أعيش حياتي أمام إله عادل؟». هل يجب أن نفكر في الجحيم فقط كعذاب؟ أم أيضًا كتحذير يحمل في طياته رجاء أن نختار الطريق الصحيح الآن؟ ام انه هو الاختيار الامثل لاناس رفضوا الله عن وعي ؟ ام نحتاج لمراجعة القضية ، حيث قبول الفكرة ، ورفض الصورة ؟
.في المقال القادم سوف نقدم الرؤية الثانية للجحيم والتي قد تعطينا صورة اخرى للجحيم يمكن ان تجعلنا نفكر في الأمر بشكل آخر
الكتاب
Four Views on Hell Paperback – January 6, 1997.
by Zondervan (Author), William Crockett (Editor), Stanley N. Gundry (Series Editor), John F. Walvoord (Contributor), Zachary J. Hayes (Contributor), Clark H. Pinnock (Contributor)
Jul 3, 2025 | تلخيص كتاب, مقالات
غفران لأبي وغفران لنفسي
روث بيلي جراهام
مقدمة
الغفران ليس مجرد فكرة جميلة، بل هو رحلة مؤلمة وصادقة نحو الشفاء والحرية. في كتابها «غفران لأبي وغفران لنفسي»، تسرد روث بيلي جراهام قصتها الخاصة مع الألم، مع والدها، ومع نفسها. من خلال أربعة عشر فصلًا، تحكي حكايات حقيقية من طفولتها وأمومتها وفشلها وخيباتها، لتقدم لنا شهادة صادقة على أن الغفران ليس للآخرين فقط، بل للذات وللإله أيضًا، وأن هذه الرحلة رغم صعوبتها مليئة بالنعمة والرجاء.
الفصل الأول: ما وراء جدران السجن
روث غراهام بدأت كتابها بحكاية قوية جدًا. ذهبت لزيارة سجن في لويزيانا وهناك قابلت شابًا اسمه مايكل محكوم عليه بالإعدام. المفاجأة؟ مايكل كان حرًا أكثر منها وهي خارج السجن. قال لها: «تحبي أقولك ترنيمة؟» وبدأ يغني: It is well with my soul. كان صوته يخرج من زنزانة ضيقة، لكن قلبه كان يحلق نحو السماء. بعدها أعطاها صليبًا صغيرًا صنعه من خيوط مرتبة سريره، وكان يبتسم!
رجعت روث من الزيارة وهي تتساءل: كيف يستطيع رجل قتل وانتهى به المطاف في السجن أن يمتلك سلامًا أعظم من سلامي؟ لماذا سامح نفسه وأنا ما زلت عاجزة؟ الصدمة الأكبر أنها عرفت أن جد الطفل الذي قتله مايكل كان يصلي لأجل مايكل لسنوات، لا فقط سامحه، بل أحبه وسأل إن كان قد عرف المسيح حقًا. جد يصلي من أجل قاتل حفيده، ليس هذا مجرد رحمة، بل معجزة.
لكن الحكاية لم تنته هنا. روث تذكرت وجعًا قديمًا. وهي صغيرة، كانت تتشاجر مع أخيها الذي كان يضربها خلسة وهي ردت عليه أمام الضيوف. والدها بيلي غراهام رآها فعاقبها أمام الجميع ظنًا أنها هي المخطئة. حاول بعد ذلك أن يطيب خاطرها وقال لها إنه يحبها لكنها لم تسمع إلا الإهانة والظلم. مرّت السنوات لكن ذلك الألم ظلّ بداخلها مثل بذرة صغيرة نمت إلى شجرة وجع لا بد أن تُقص بغفران. الغفران لا يبدأ حين يعتذر الآخرون، بل عندما نقرر أن نعيش أحرارًا.
«أريد أن أرافق الآخرين في صراعهم، وأؤكد لهم أنهم ليسوا وحدهم. هناك رجاء. هناك حرية. دعونا نرفض الاستسلام في معركة الغفران حتى نتحرر مثل مايكل ونستمتع بما يقدمه الغفران من شفاء».
الفصل الثاني: الغفران مش عادل
روث تقول إن الغفران أحيانًا يجعلك تشعر أنك تتنازل عن حقك، لكنه في الحقيقة يحرر روحك من سجن المرارة. تروي حادثة طفولية أخرى. كانت العائلة في سويسرا، يقضون وقت تأمل. أخوها الصغير كان يضربها من وراء ظهر والدتها، وهي ترد عليه أمام العائلة. فجأة، رأى والدها بيلي غراهام ما ظنه خطأها، شدها وضربها أمام الجميع وأمام الضيوف. حاول بعدها أن يطيب خاطرها وقال إنه يحبها، لكنها لم تسمع شيئًا سوى الظلم.
«كنت طفلة تحب أن ترضي الجميع، وعندما عوقبت أمام غرباء، انكسر قلبي، ليس من الألم الجسدي، بل من الإهانة».
سنوات لاحقًا بدأت ترى الموقف بنظرة جديدة. أدركت أن والدها لم يكن يقسو عليها، بل كان يحاول تعليمها درسًا صعبًا. ومع ذلك ظل الحدث محفورًا فيها كرمز للظلم.

تقول إن الغفران أحيانًا يبدو وكأننا نترك من آذانا من دون عقاب. وأحيانًا أخرى يبدو وكأننا نحن من يدفع الثمن وهم لم يفعلوا شيئًا. وأحيانًا أصعب، نكون نحن من يحتاج أن يغفر لنفسه. تتأمل في صليب يسوع وتقول إنه بالرغم من كونه بريئًا، صلبوه، لكنه صلى: «يا أبتاه اغفر لهم لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون».
الغفران ليس عدلًا بشريًا، بل العدالة الحقيقية تحققت على الصليب. نحن لا نغفر لأن الآخرين يستحقون، بل لأننا نحن نلنا الغفران ونحن لا نستحق.
«الغفران مش عادل. هو عطية سخية تفوق الخيال. اشتراها وسدد ثمنها دم يسوع المسيح. أُعطيت بحرية وعن قصد وبمحبة لأناس لا يستحقونها، مثلي ومثلك. الغفران مش عادل. الغفران مقدس».
الفصل الثالث: نبض قلب الله
في هذا الفصل، تدعونا روث لأن نسمع دقات قلب الله التي تقول ببساطة: «أنا غفور… أنا أب». الغفران ليس مجرد فكرة أو تعليم نظري، بل هو هوية الله الحقيقية. تقول إن الله ليس فقط قاضيًا عادلًا، بل أب رؤوف، كما جاء في المزمور: «كما يتراءف الأب على البنين، يتراءف الرب على خائفيه».
الغفران إذن لا يُمنح لأنه مستحق، بل لأنه يفيض من طبيعة الله المحبة والرحيمة كأب.
تحكي روث عن لحظة عودتها إلى بيت والدها بعد فشل زواجها. كانت غارقة في مشاعر الخزي والفشل، وخائفة من أن ترى في عينيه خيبة أمل أو حكمًا قاسيًا. كانت تخشى تلك النظرة التي اعتادت أن تراها منه أيام طفولتها حين تخطئ. لكنها فوجئت بردة فعل والدها التي لم تكن تتوقعها أبدًا: استقبلها بذراعين مفتوحين وقال لها: «أهلًا بكِ في البيت».
هنا أدركت أن المشكلة الحقيقية لم تكن في والدها، بل في نفسها، في خوفها الدفين من أن يخيب أمله فيها، في إحساسها الدائم بأنها غير جديرة بحبه. في تلك اللحظة رأت الغفران مجسدًا في حضنه الدافئ، غفران لا يقوم على الاستحقاق، بل على حب سابق للفشل وأوسع من الندم.
«بابا ليس هو الله، لكنه في تلك اللحظة أظهر لي من هو الله».
وتختم بفكرة محورية: «الله كله غفران. هذه طبيعته. هذه عادته. فلنجعلها نحن أيضًا عادتنا».
الفصل الرابع: جوهر الغفران
تبدأ روث هذا الفصل بمواجهة صريحة مع نفسها، وتتساءل: «هل يمكن أن يكون الغفران حقيقيًّا من دون اعتراف بالألم؟ وهل يمكن أن نغفر لوالدينا من دون أن نقول لهم بصدق: لقد جرحتموني؟».
وتشرح فكرة مهمة: ليس بالضرورة أن يكون والدك إنسانًا شريرًا حتى يجرحك، وليس معنى الغفران أن تكف عن الشعور بالألم.
تحكي عن إحساسها في طفولتها بأنها مختلفة عن إخوتها. سألت أمها ذات يوم: «هل أنتم تبنيتموني؟» لأنها كانت تشعر أنها لا تنتمي إليهم، وأنها صارت غير مرئية بعد ولادة أخيها فرانكلين، الذي سمّي على اسم والدهم.
تصف كيف أن الغياب العاطفي لوالدها بيلي جراهام ترك أثرًا بالغًا فيها، وأدى إلى نتائج كبيرة على علاقاتها لاحقًا، خاصة في فشلها في الزواج وفي علاقاتها العاطفية المتكررة. تصف ألمها المزمن بأنه لم يكن سببه كلمة قاسية أو ضربة، بل الغياب المستمر. تقول إن والدها كان دائم الانشغال بالخدمة والجمهور، ولم يكن لديها فرصة أن تكون معه وحدها إلا نادرًا.
هذا جعل الطفلة التي بداخلها تشعر بأنها غير مهمة، وأن عليها أن تكسب حبه بدل أن تتلقاه ببساطة.
رغم أنها كانت دائمًا تدافع عن والدها وتحافظ على صورته لأنه كان رمزًا كبيرًا في عينيها، لكنها في مرحلة الشفاء بدأت تعترف: «لقد تألمت فعلًا من غياب بابا، حتى لو لم يقصد». وهذا الاعتراف كان الخطوة الأولى الحقيقية نحو الغفران.
«لم أكن أريد أن أعترف أني بحاجة أن أسامح بابا، لأن الصورة التي في ذهني عنه كانت مقدسة جدًّا حتى لا ألمسها. لكن عندما بدأت أواجه الألم الساكن بداخلي بسبب غيابه، عرفت أن الغفران ليس ضد الحب، بل هو امتداد للحب حين يقرر أن يواجه الحقيقة بدل أن يهرب منها».
الفصل الخامس: قوة النعمة
في هذا الفصل، تعود روث لتذكر زيارتها لسجن أنغولا في لويزيانا ولقاءها مع السجين مايكل الذي كان على طابور الإعدام. غنّى لها مايكل ترنيمة It Is Well with My Soul بسلام داخلي غير منطقي.
عرفت لاحقًا أن مايكل كان قاتل طفل صغير بوحشية، وبعد شهور وصلتها رسالة من مبشر في نيبال يسألها: «هل قابلتِ مايكل؟» لأن هذا الرجل كان جدّ الطفل المقتول وقد غفر لمايكل منذ سنوات وكان يصلي لأجله أن يقبل المسيح قبل موته.
«الغفران كسر قوة الشر، وتغلّب على المسافة والزمن، ودخل إلى جدران السجن الأسمنتية ليحتفل بأن دين مايكل الأبدي دُفع بالكامل بواسطة يسوع».
رغم زياراتها المتكررة للسجون ووعظها عن الغفران، اعترفت أنها كانت لا تزال تصارع مرارة تجاه أبيها وتشعر بالخجل من ذاتها. كتبت: «كنت أرفع صوتي وأكرّر ترانيمي، لكن صوتي الداخلي كان مليئًا بالشك والألم. كنت أريد أن أعيش تلك النعمة التي رأيتها في مايكل والجد، لكن قلبي لا يزال متكتفًا بالخزي والندم».
هنا فهمت أن النعمة ليست فكرة جميلة بل قوة حقيقية توقفك فجأة، تسلب أنفاسك، وتنزع أسلحتك، قوة غير منطقية وغير متوقعة وغير مستحقة لكنها غامرة وحقيقية.
«كنت أريد أن تخترق هذه القوة حياتي أنا أيضًا. كنت أريد أن أعيش الحرية التي عرفها مايكل والمبشر الذي سامحه».

الفصل السادس: اختيارات الجريح
في هذا الفصل، تدخل روث إلى عمق جديد، وتشرح كيف أن الجريح لديه دائمًا خيار: أن يدفن ألمه ويتجاهله، أو يواجهه بشجاعة ويبدأ رحلة شفاء حقيقية. تقول إن الشفاء لا يحدث صدفة، بل يبدأ بخطوة مواجهة النفس.
تحكي عن موقف في مجموعة صلاة، حين أفشت سر صديقة من المجموعة أمام أخرى كانت خارج المجموعة، فشعرت بالعار العميق واضطرت أن تعترف لصديقتها وتطلب غفرانها حتى لو لم تكن تعرف أنها جُرحت.
تقول إن الاعتراف والغفران خيارات صعبة لكنها ضرورية. رغم أن التركيز في الفصل لم يكن مباشرة على والدها، لكنها ربطت مشاعرها الجريحة القديمة بتجربة أعمق واعترفت أنها كانت بحاجة إلى دعم عاطفي مفقود منذ طفولتها. كما حكت عن جرحها من أمها التي أحبت إخوتها بشكل بدا لها مختلفًا. قالت: «أمي لم تكن تقصد أن تجرحني، لكنها أحبّتني بطريقة لم أفهمها».
تضيف أن الجروح العائلية أحيانًا لا تأتي من شر بل من اختلافات في طرق الحب، لكنها تترك ألمًا يحتاج إلى شفاء.
«الغفران يبدأ حين نقرر أن نقدّم جرحنا لله، لا ليمحوه، بل ليحوّله إلى مكان مقدس يظهر فيه نعمته».
الفصل السابع: نداء المساعدة
في هذا الفصل، تضعنا روث أمام لحظة شديدة الصدق في رحلة الغفران: لحظة الاعتراف بأنك لم تعد تستطيع أن تكمل بمفردك.
تقول إنك مهما كنت مؤمنًا أو خادمًا أو تعرف الإنجيل جيدًا، قد تصل إلى نقطة تعب شديد ومرارة عميقة تدفعك لتصرخ: «أنا متعب… وأحتاج مساعدة. أنا غاضب من الله… ولا أفهم أين هو».
رغم أن روث سبق أن حكت عن زيارتها لسجن أنغولا في الفصل الخامس، إلا أنها في هذا الفصل تربط تلك التجربة بمشاعر غضبها من الله وعجزها عن الغفران.
تقول إنها بعد أن سمعت مايكل – المجرم التائب – يغني It Is Well with My Soul ورأت في عينيه سلامًا عجيبًا، كانت في الوقت نفسه لا تزال غارقة في شعور بالخزي القاسي.
«كنت غاضبة من الله… شعرت أنه تركني. كنت أصلي وأتشبث بوعوده حتى لا ينتهي زواجي… لكنه انتهى. قلت لنفسي: الله تركني… ونسي وعوده… ونسي وجودي».

تحكي عن طلاقها فتقول إنها كانت متأملة في أن الله سيرد ما انكسر، كانت تردد آيات الرجاء كل يوم، ومع ذلك ساءت الأمور أكثر وانتهى زواجها.
هنا تصف شعورها كطفلة مؤمنة ظنت أن الطاعة تعني دائمًا استجابة فورية، وعندما لم يحدث ما كانت تنتظره، شعرت أن الله خذلها.
تقول إن ألمها لم يكن مجرد خيانة زوجية أو طلاق، بل أزمة إيمانية وجودية حين تكسر إيمانها من طول الانتظار، ثم حدث عكس ما كانت تتمنى.
وتضيف: «كنت أعلم أن الله لا يخطئ… لكن نفسيًا كنت أحتاج أن أقول: يا رب، أنا غاضبة منك… ولا أستطيع أن أغفر لك».
توضح أنها لا تقصد أن الله يخطئ فعليًا، لكنها رأت أن كتمان تلك المشاعر يمنع الشفاء. وقالت: «طوال حياتي كنت أحاول أن أرضي أبي… لا لأنه فقط شخص مهم، بل لأنه كان يمثل صورة الله بالنسبة لي».
هنا تكشف عن سبب ألمها العميق: أنها لم تكن فقط تحب والدها، بل كانت تشعر أن رضاه عنها يساوي رضا الله عنها. وعندما تأذت في علاقتها بالله شعرت بنفس الألم الذي عاشته في طفولتها مع أبيها، حين خافت أن ترى في عينيه خيبة أمل.
الفصل يوضح أن مشاعر الغضب من الله أحيانًا تكون مدفونة خلف مشاكل أخرى: صعوبة غفران الذات، المرارة من الناس، الشعور بالخزي.
«حين أدركت غضبي المكبوت من الله، فهمت لماذا لم أكن أستطيع أن أغفر أو أرتاح».
وتلخص الفصل كله بهذه العبارة الصادقة:
«كنت أحتاج أن أعترف أني زعلانة من الله… ليس لأني أظنه يخطئ، بل لأني بحاجة أن أفتح له جرحي بدل أن أدفنه».
الفصل الثامن: أهمية المجتمع
في هذا الفصل، تفتح روث موضوعًا مهمًا: الغفران لا يحدث دائمًا في عزلة. أحيانًا نحتاج إلى مجتمع حقيقي حولنا ليعيننا على إكمال الرحلة.
الغفران عملية روحية ونفسية مؤلمة مليئة بالصراعات الداخلية، والوحدة تجعلها أصعب.
تحكي روث أنها كثيرًا ما عجزت عن أن تغفر لنفسها قبل أن تغفر للآخرين. كانت تشعر دائمًا بأنها «ليست كافية»، وأن كل محاولة منها لخدمة الله كانت يرافقها شعور بالتأنيب الداخلي. تقول: «كنت أضحك من الخارج، وقلبي يصرخ من الداخل: لو عرفوا حقيقتي لن يحبوني».
وصفت كيف أن العار كان يحكم قراراتها، ويجعلها تحس دائمًا أنها بحاجة لأن تعمل أكثر، وتثبت نفسها أكثر، وتخدم أكثر.
كانت تمثل القوة أمام الناس، لكنها كانت تنهار وحدها.
تقول إنها كانت دائمًا تضع في ذهنها توقعًا أن تكون على مستوى أبيها في القداسة والإنجاز. ولأنها لم تشعر أبدًا أنها وصلت، كرهت نفسها في صمت.
هنا يظهر مجددًا تأثير صورة الأب المثالي على رؤيتها لنفسها، وكيف عزز ذلك صراعها الداخلي مع نفسها.
تصف كيف تحررت عندما وجدت مجتمعًا صغيرًا من أشخاص صادقين يعترفون بجروحهم بلا أقنعة، ولا أحكام، ولا تمثيل.
«الغفران أحيانًا لا يبدأ بجملة روحية… بل بنَفَس مسموع أمام أناس يسمعون بلا حكم».
الفصل التاسع: البركة بدل المرارة

في هذا الفصل تتحدث عن أكبر عدو داخلي للغفران: المرارة.
تصف المرارة بأنها تجعل الجرح يعاد آلاف المرات، وتسجنك في الماضي، وتبقي الألم حيًا حتى بعد انتهاء الحدث.
تحكي عن مكالمة هاتفية من امرأة سببت لها ألمًا متكررًا، وقالت: «تظاهرت أني سعيدة، لكن داخلي كان يغلي. شعرت أنني إن سمعتها تقول شيئًا آخر فلن أستطيع التحمل».
تحكي عن صديقتها ماري، ابنة خادم إنجيلي، التي حملت مرارة تجاه والدها الغائب دائمًا عنها، وكيف صارت عصبية وانغلقت على نفسها رغم صورتها المثالية أمام الناس.
تعود إلى لحظة رجوعها إلى بيت أبيها بعد طلاقها، وهي غارقة في خزي وخوف. كانت تتساءل: هل سيحبني أبي؟ هل سيحكم عليّ؟ وعندما فتح لها ذراعيه، شعرت وكأنها اغتسلت بالنعمة.
قالت: «بيلي جراهام ليس الله… لكنه أظهر لي النعمة التي كنت أسمع عنها ولا أعيشها».
المرارة، كما تقول، ليست مجرد شعور، بل رفض ضمني للنعمة، حين تتمسك بالجرح بدلاً من الله.
«حين تغفر حقًا، لن تتمنى أن يحدث لمن جرحك شر، بل ستتمنى له بركة، حتى لو بدأت بدعاء مرتعش: يا رب بارك الشخص الذي جرحني».
الفصل العاشر: قول الحقيقة لنفسك
يدور هذا الفصل حول خطوة أساسية في رحلة الغفران: أن تواجه نفسك بالحقيقة كاملة. تقول روث إن كثيرين يعيشون سنوات يروون لأنفسهم قصصًا غير حقيقية عما حدث لهم أو عمن جرحوهم أو عن أنفسهم.
تؤكد أن الغفران الحقيقي لا يمكن أن يحدث ما لم يواجه الإنسان نفسه بكل الحقائق، حتى لو كانت موجعة، وحتى لو كشفت مشاعر خفية من العار والخوف والضعف.
تحكي عن زيارتها لمايكل في السجن، وكيف صدمتها حقيقة أن الرجل الذي غنّى لها بسلام هو قاتل حفيد المبشّر النيبالي الذي غفر له وصلى له سنوات طويلة حتى تأكد أنه آمن بالمسيح.
هذا الموقف حطم كل أعذارها لعدم الغفران. قالت: «أنا جدة، ولا أستطيع أن أتخيل لو فعل أحد شيئًا كهذا بأحفادي… ومع ذلك هذا الرجل غفر له وصلى لأجله».
تعترف أنها عاشت لسنوات تخدع نفسها بادعاء الغفران، لكنها في العمق كانت ما زالت غاضبة، حزينة، خائفة، خجلة.
«كنت بحاجة أن أقول لنفسي الحقيقة، وأتوقف عن تمثيل بطولة مزيفة في الغفران».
تلخص الفصل بقولها: «إذا أردت أن تبدأ الغفران حقًا، عليك أولًا أن تواجه الحقيقة كلها من دون تزييف، وتقول لنفسك: أنا موجوع… ومحتاج إلى نعمة».

الفصل الحادي عشر: أرجع إلى الوراء لكي تستطيع أن تمشي إلى الأمام
هذا الفصل من أصعب الفصول التي كتبتها روث، وفيه تشرح أن الحرية في الغفران تتطلب أحيانًا أن نرجع إلى الماضي، ليس لنعيش فيه، بل لنرى الحقيقة كاملة ونفك قيود الألم التي ما زالت تربطنا حتى اليوم.
تحكي بألم عن الليلة التي قبض فيها على ابنتها ويندزور واحتجزت في قسم الشرطة. حاولت روث بكل وسيلة أن تساعدها، لكن لم يهتم أحد حتى عرفوا أنها ابنة بيلي جراهام، عندها فقط بدأوا بمساعدتها.
شعرت بالامتنان، لكنها تألمت لأجل كل الذين لا يحملون اسمًا كبيرًا كي ينالوا نفس المعاملة.
بعد ذلك، ساعدت ابنتها على الانتقال إلى جامعة تسمح لها بإكمال تعليمها مع حملها، وأسكنتها في شقة قريبة، لكنها بقيت قلقة وممزقة بين دعمها ورغبتها في أن تضع لها حدودًا.
في لحظة ما، ذهبت ويندزور لتعيش مع والدها الذي لم يكن يعرف كيف يضع حدودًا، بل كان يحاول أن يكون صديقها فقط. علقت روث على ذلك بقولها: «أنا متأكدة أن ابنتي رأتني كسجّانة، ورأته هو كصديق».
هنا تعترف أن جروح طفولتها مع أبيها ألقت بظلالها على تربيتها لابنتها. مع أبيها شعرت دومًا أنه كان غائبًا عاطفيًا ولا يهتم بها بما يكفي، ومع ابنتها صارت هي غائبة بمعنى آخر، غائبة عن إظهار الرحمة.
هكذا كررت نفس النمط، وإن كان بصورة مختلفة.
أدركت روث أن عودتها إلى ماضيها لم تكن رفاهية، بل ضرورة لكي تفك تلك الارتباطات النفسية الداخلية التي شلت علاقتها بأولادها.
«لم أرجع إلى الماضي لأعيش فيه، بل لأفك القيود التي ما زالت تربطني حتى اليوم».
الفصل الثاني عشر: ماذا لو لم أستطع أن أغفر؟
في هذا الفصل، تواجه روث السؤال المخيف: «ماذا لو حاولت كل شيء وما زلت عاجزة عن الغفران؟».
تقول إنها لا تتحدث فقط عن الغفران للآخرين، بل أيضًا عن الغفران لنفسها، والأصعب من ذلك الغفران لله، أو بالأحرى غفران توقعاتها التي لم تتحقق معه.
تحكي عن زيارتها لمايكل في السجن وسماعها الجد النيبالي يقول لها إنه صلى لمايكل سنوات طويلة رغم أنه قتل حفيده، وإنه غفر له منذ زمن بعيد.
في تلك اللحظة أدركت كم أن قلبها كان ما زال مربوطًا بالمرارة، وكم أنها حاولت أن تسامح لكنها فشلت، وحاولت أن تسامح نفسها لكنها فشلت، بل حتى حاولت أن «تسامح الله» لأنه لم يحقق توقعاتها وفشلت.
تقول إنها جرحت نفسها وجرحت من حولها لأنها لم تستطع أن تتحرر.
وصفت ألمها الإيماني بأنه متأثر جدًا بصورتها عن الله التي كانت دائمًا متطابقة مع صورة والدها الأرضي كرمز للكمال والثبات.
هنا تدرك أن الغفران ليس قرارًا لحظيًا، بل رحلة عمر، وأن الله لا يطلب الكمال منا، بل يسير معنا في الطريق حتى ونحن نزحف.
«كنت أريد أن أغفر… لكني لم أستطع أن أفعل ذلك وحدي… كنت أحتاج إلى قوة من خارجي… نعمته وحدها هي التي يمكن أن تغلب ألمي».

الفصل الثالث عشر: انعكاس صورة الله فيك
في هذا الفصل، تتأمل روث في أن الغفران ليس فقط وسيلة للراحة النفسية، بل هو انعكاس لصورة الله فينا.
حين نغفر، نحن نجسد صفات الله في الرحمة والنعمة والعدالة التي لا تقوم على الانتقام، بل على الفداء.
تحكي قصة صديقتها التي خانها زوجها، وفي البداية أرادت أن تطرده، لكنها اختارت أن تسامحه وأن تكمل حبه. المفاجأة أن زواجهما تعافى وبدأ من جديد.
هذه القصة كانت مرآة لروث لتدرك أن الغفران لا يحيي فقط من جرحك، بل يحييك أنت أيضًا.
تقول إنها اعتقدت دائمًا أن الغفران يحتاج لقديسين، لكنها عندما رأت أشخاصًا عاديين يغفرون، سألت نفسها: «هل يمكن أن أكون واحدة منهم؟».
«أنا لا أريد أن أغفر فقط لأرتاح… بل أريد أن أغفر لأشبهه… لكي يرى الناس فيّ صورة الله الحي».
الفصل الرابع عشر: الحميمية مع الله
في الفصل الأخير، تصل روث إلى جوهر رحلتها: الغفران يقودنا إلى الحميمية مع الله.
تقول إن كل خطوات الغفران تقود إلى قرب عميق من الله، لأن الغفران يكشف من هو الله حقًا، ويزيل حواجز الألم والذنب التي بيننا وبينه.
تحكي عن علاقتها المعقدة مع ابنتها ويندزور، وكيف احتاج الأمر سنوات طويلة من الحوار والتغيير الداخلي حتى استطاعتا أن تغفرا لبعضهما.
كما تذكر من جديد المشهد المؤثر عند عودتها إلى بيت والدها بعد علاقة فاشلة، حين استقبلها بيلي جراهام بذراعين مفتوحين وقوله: «مرحبًا بعودتك إلى البيت».
تقول: «أبي ليس الله، لكنه في تلك اللحظة أظهر لي صورته بكل أبعادها».
«الغفران قادني إلى عمق لم أتخيله مع الله… لم يكن الهدف أن يتغير الآخرون، بل أن أتغير أنا… وأجد في حضنه الراحة التي لم أجدها في أي مكان آخر».
خاتمة
كتاب «غفران لأبي وغفران لنفسي» رحلة طويلة من الألم والصراحة والشجاعة، تنتهي حيث تبدأ الحميمية مع الله. دعوة لكل قلب موجوع أن يواجه الحقيقة، ويسلم جراحه لله، ويثق أن نعمة الله تكفي لكل ألم، وأن حضره مفتوح لكل من يعود.