في المقال اللي فات اتكلمنا عن تاريخ المسيحية التقدمية وجذورها ، المقال دا هنكمل نتكلم عن ملامح المسيحية التقدمية، واللي ممكن مع شوية تركيز وفحص وبحث تقدر تكتشفها.فاكر اني لاقيت في مرة وانا بدور علي كتب بتتكلم عن الوحي والكتاب المقدس، كتب بتتكلم بشكل انه هو مجرد كتاب بشري وليس مصدره الله ، مكنتش مندهش ساعتها ولا أول مرة أقرا كتب زي كده ، لكن كانت دهشتي وانا صغير وقتها هو انه الكاتب احد المشاهير المبشرين والمنادين بالايمان المسيحي.
ممكن تكون انت كمان سمعت واعظ كبير ووقفت في حيرة بسبب كلامه الملتبس عن مواضيع زي العلاقات الجنسية في الكتاب المقدس والمثلية، او عن رؤيته للعهد القديم. يضاف لكل ده، ممكن تقرأ منشور لراعي كنيسة بيقول انه العهد القديم ليس مصدره الله ، واله العهد القديم غير العهد الجديد. وبرضه ممكن تصادف بوست بيقول إن احنا محتاجين “نتخلص من الاستعمار” في فهمنا للكتاب المقدس، او انه العقيدة اللي وصلت لينا مش هي العقيدة اللي كانت في زمن المسيح. الكلام ده كله من الأفكار اللي بتنتشر في التيار المسيحي اللي بيتسمى “المسيحية التقدمية” او كما يطلق عليها البعض ” المسيحية الليبرالية”.
المشكلة إن المسيحية التقدمية مش سهلة تتعرف عشان عادة المسيحيين التقدميين مش بيجمعهم مذهب رسمي ولا مجموعة معتقدات محددة. بالعكس، المسيحية التقدمية بتفضل “الأفعال” على “المعتقدات”، يعني اللي بتعمله اهم من اللي بتؤمن فيه. بيستخدموا نفس المفردات زي المسيحيين التقليديين، بيحافظوا على نفس الشعائر زي المعمودية والعشاء الرباني، وحتى ممكن يغنوا ترانيم ويرددوا صلوات قديمة. لكن بالنسبة للمسيحيين التقدميين ، الكلمات، والعبارات، والشعائر، والتقاليد دي كلها ليها معنى جديد كليًا. عشان كده ممكن يكون صعب ومزعج تتعرف على أفكارهم في الكتب والمقالات والعظات والبرامج التليفزيونية . بس فيه معتقدات وافتراضات محددة بتكوّن التيار ده حتى لو مش مكتوبة في مذهب رسمي. فيه علامات تحذيرية لازم ننتبه ليها، سواء كانت ثقافية أو لاهوتية.
في المقال ده هنركز على العلامات الثقافية.
علامات ثقافية
من رفض تقديم بخور لعبادة قيصر، لآرائهم عن الجواز والإجهاض من القرن الأول لحد النهاردة، المسيحيين كانوا معروفين برفضهم الخضوع للأفكار المعروفة للمجتمع. لكن واحدة من أهم ملامح المسيحية التقدمية: هي الميل لمجامعة ودمج الأعراف المجتمعية.
الجنس:
تم إزالة الحدود اللي وضعها الكتاب المقدس. في بداية ٢٠١٩، كتبت احد الخادمات من المؤمنين بالمسيحية التقدمية اسمها ناديا بولز-ويبر كتاب عن الجنس اسمه “بلا خجل: ثورة جنسية“. فيه، قالت إن فكرة إن الجنس لازم يكون بين راجل و واحدة بس جوا إطار جواز مدى الحياة مش بس غلط، بس كمان ضار. اقترحت إعادة اختراع الأخلاق الجنسية المسيحية عشان تسمح للمسيحيين يسعوا ورا تحقيق المتعة الجنسية بالطريقة اللي حددتها منظمة الصحة العالمية، واللي بتكون مبنية على الرضا والمشاركة. مع إزالة الحدود اللي وضعها الكتاب المقدس للجنس، بتكتب: “أي شكل من أشكال الازدهار الجنسي يناسبك، ده اللي عايزة أشوفه بيحصل في حياتك” (صفحة ٦٠). كمان بتوافق على الجنس خارج إطار الزواج (حتى العلاقات الليلة الواحدة)، والجنس المثلي، والاستخدام المعتدل للمواد الإباحية. وهي مش صوت لوحدها في الصحراء. كتاب “بلا خجل” اتبنى واتعمل عليه دعاية من كتير من القيادات المسيحية البارزة في المجتمع الغربي بشكل عجيب وغريب. مع وجود شخصيات مسيحية ليبرالية بارزة كلهم بينادوا لصالح زواج المثليين في العقدين اللي فاتوا، واحدة من الأهداف الرئيسية للمسيحية التقدمية هي تغيير موقف الكنيسة من القضية الحساسة دي.
النسبية:
اللي صح بالنسبة لك، صح بالنسبة لك
النسبية بتقول في الأساس إن الحقيقة مش ممكن تتعرف، أو تكون معروفة، أو يتجادل عليها. بمعنى تاني، محدش يقدر يفهم الواقع، وده اللي ممكن تسمعه كتير في المقولة اللي بتقول “اللي صح بالنسبة لك، صح بالنسبة لك واللي صح بالنسبة لي، صح بالنسبة لي”. المشكلة إن المسيحية مش بتديننا خيار نكون “نسبين”. المسيحية نظام اعتقادي متجذر في حقيقة مطلقة. في الواقع، هي بتقف أو تقع على أساس حدوث حدث تاريخي حقيقي، او انك تعتبره غلط فترفض المسيحية من اساسه ، لانه قضية الموت والقيامة لا وجود لمنطق النسبية فيها. كتب الرسول بولس للقراء في القرن الاول الميلادي:
“إن لم يكن المسيح قد قام، فباطل كرازتنا وباطل ايمانكم أيضا ، انتم بعد في خطاياكم”
يعني لو المسيح ماقامش من الموت، يبقى مالوش لازمة ايماننا ونروح. بشكل عام، العقلية المسيحية الليبرالية اتبنت بشكل كبير وجهة نظر نسبية للواقع، عشان كده بنشوف كتير من المسيحيين التقدميين بيتكلموا عن القيامة كأنها استعارة غير حرفية، وعن قصص تاريخية في العهد القديم كأنها حكايات غير حقيقية وخيالية ممكن نتعلم منها دروس أخلاقية كويسة.
النظرية النقدية:
واحد من الاتجاهات الثقافية اللي بقيت مقبولة أكتر وأكتر في الحركة المسيحية التقدمية هو مفهوم فلسفي اسمه “النظرية النقدية”. النظرية النقدية بتشوف العالم كصراع بين مجموعات مضطهدة ومضطهدين، وبتسعى لإعادة توزيع القوة لصالح المهمشين. (بيحددوا القوة دي على أساس العرق، والجنس، والإثنية، والطبقة، والجنسية، وعوامل كتيرة تانية). بتقلل من فكرة إن الحقيقة ممكن تتحدد بالتفكير العقلاني، وبتعطي الأولوية لـ “التجربة المُعاشة” والهوية. بمعنى تاني، اللي عاشوا اضطهاد أكبر عندهم قدرة أكبر على تمييز الحقيقة من اللي عندهم امتيازات أكتر. من هنا ظهر مفهوم الانجيل الاجتماعي المقنع.
من فترة قريبة، كتبت القائدة التقدمية جين هاتماكر بوست على فيسبوك بيوضح أفكارها المستوحاة من النظرية النقدية. كتبت:
“عندما يكون الأشخاص البيض، ومعظمهم من الذكور، والمتزوجين مباشرة، والأصحاء الذين لديهم عتبة معينة من المال والسلطة، في مركز السرد، فلن نتمكن أبدًا من تحديد الثمار الجيدة بشكل صحيح … الامتياز هو عدو موثوق للفطنة”
من المثير للاهتمام إن جين هاتماكر موجودة في كل الفئات دي ماعدا واحدة، واللي حسب قولها، بتخليها من أصحاب الامتيازات العالية. بس البوست ده بيظهر عدم اتساق النظرية النقدية من الناحية المنطقية. حسب قولها، لازم نشك في “تمييزها”.
وراء عدم اتساقها المنطقي، النظرية النقدية بتقف ضد الإنجيل في مواضع كتيرة. بتشتغل كنظرة للعالم بتشوف هويتنا كطريقة ارتباطنا بمجموعات تانية محددة بالعِرق، والطبقة، والجنس، بدل ما نشوفها كحاملين لصورة الله. حسب النظرية النقدية، الخطيئة مش مشكلة العالم، بس الاضطهاد، واللي بيتصلح بالنشاط، وزيادة الوعي، وإسقاط الأنظمة الظالمة.
كلنا بنقدر نشوف إن فيه حاجة وحشة جداً في العالم. كمسيحيين، بنلاحظ الكسر اللي حولنا وبنحزن بشكل صحيح على حاجات زي العنصرية، والفقر، والاستغلال، والاضطهاد المنهجي. عشان كده استخدام النظرية النقدية ممكن يكون خيار جذاب لحل بعض المشاكل دي. ممكن يبدو إن ده هو الشيء المحب والعدل اللي لازم نفعله. بس النظرية النقدية مش بس قائمة بأشياء ممكن نعملها عشان نجعل العالم مكان أفضل. مش بس فلسفة بتديننا أدوات عملية لمقاومة الظلم ونحقق الوصية العظيمة. النظرية النقدية بتشتغل بشكل فعلي كـ “نظرة للعالم”. ولما تقارنها بنظرة العالم المسيحية، بتقف ضدها في مواضع كتيرة.
تأمل بعض الأسئلة اللي بتجاوب عليها كل نظرة للعالم وقارنها بالإجابات اللي بتديها النظرة المسيحية:
مين احنا؟
حسب النظرة المسيحية: البشر مخلوقات مميزة اتخلقت على صورة الله نفسه.
حسب النظرية النقدية: هويتنا مش موجودة في اللي اتخلقنا لنكونه، بس في طريقة ارتباطنا بمجموعات تانية محددة بِالطبقة، والجنس، والتفضيل الجنسي، إلخ.
ما هو الغلط في العالم؟
حسب النظرة المسيحية: الله خلق عالم كويس اتلطخ بالخطيئة.
النظرية النقدية: بتشوف الاضطهاد، مش الخطيئة، كجوهر اللي غلط في العالم.
إزاي بيتصلح المشكلة دي؟
حسب النظرة المسيحية: مشكلة الخطيئة اتعالجت بتضحية يسوع الكفارية على الصليب عشان يدفع ثمن خطايانا، ويصالحنا مع الله، ويضمن النصر على قوى الخطيئة والموت.
حسب النظرية النقدية: مشكلة الاضطهاد بتتعالج بالنشاط، وزيادة الوعي، وإسقاط الأنظمة الظالمة وقوتها.
كمسيحيين، منادين بضرورة عمل الخير. مفيش شك في ده. في الواقع، يعقوب الرسول بيقولنا إن “الإيمان بدون أعمال ميت”. بس لما حد يبدأ يعتمد أفكار النظرية النقدية، ممكن تبدأ تآكل نظرة العالم المسيحية ببطء بسحب نظرها من الحقائق الأبدية عن مين هو الله وما فعله في العالم. على سبيل المثال، النظرية النقدية واللي بتبدل إنجيل مبني على النعمة بإنجيل مبني على الأعمال.
معتقدات المسيحية التقدمية بخصوص الثقافة متأثرة بشكل كبير بالتفكير الفلسفي والمجتمعي بدل الإعلان الكتابي. لما تصبح التعاليم الكتابية غير مقبولة اجتماعياً، تميل المسيحية التقدمية إلى الاندماج مع الثقافة ورفضها بدل التمسك بالحقيقة الكتابية. في المقال الجاي، هنشوف بعض العلامات اللاهوتية وازاي إن النقاط دي مش متوافقة مع المسيحية التاريخية.