مقدمة عن الكتاب
كتاب «أربع وجهات نظر عن الجحيم» لا يقدّم مجرد جدال لاهوتي جاف، بل هو حوار حي بين أربع مدارس فكرية مسيحية تحاول أن تفهم هذا اللغز الكبير: الجحيم.
هل هو نار أبدية لا تنطفئ؟ أم رمز لحالة من الانفصال عن الله؟ أم خطوة ضمن مسار تطهيري يفضي في النهاية إلى الشركة الكاملة مع الله؟ أم أن الأشرار يفنون في النهاية؟
في هذا المقال، نركّز على الرؤية الثالثة: الرؤية التطهيرية أو الكاثوليكية، كما عبّر عنها الأب زكريا هايز. رؤية تختلف عن سابقتيها لأنها لا ترى الجحيم نهاية مغلقة، بل مرحلة ديناميكية قد تنتهي بالعودة إلى الله.
ملخص الرؤية الثالثة: الجحيم كمرحلة تطهير
الأب زكريا هايز يبدأ حديثه بتذكيرنا بأننا لا نتعامل مع «عقيدة رياضية»، بل مع سرّ الله وعمله مع الإنسان. يقول: «الله لا يتوقف عن السعي وراء البشر حتى النهاية. وحتى في الجحيم، لا يمكن استبعاد إمكانية النعمة».
في الرؤية الكاثوليكية التقليدية، الجحيم عقوبة حقيقية وأليمة، لكنها ليست بالضرورة عقوبة أبدية غير قابلة للنقاش.
يرى هايز أن الجحيم يمكن فهمه كحالة تطهير مؤلمة للنفس، تخلّصها من خطاياها وتردّها إلى الله. إنها ليست مجرّد عقوبة انتقامية، بل جزء من محبة الله التي «لا تفشل».
برأيه، الإنسان يختار رفض الله بحرية، لكن الله يبقى حاضرًا حتى في الجحيم، منتظرًا فتح القلب.
من يؤمن بهذه الرؤية؟
الرؤية التطهيرية تمثل التيار الكاثوليكي إلى حد كبير، خاصة في فهمه لعقيدة المطهر، وإن كان هايز لا يخلط تمامًا بين الجحيم والمطهر.
كذلك بعض اللاهوتيين الأرثوذكس الشرقيين لديهم ميول قريبة إلى هذه الرؤية.
هايز يمثل داخل الكتاب صوت الكنيسة الكاثوليكية التي ترفض أن تقدّم الجحيم وكأنه تعبير عن «قسوة الله»، وتصر بدلاً من ذلك على أن عدالة الله دائمًا محاطة برحمته.
لماذا يعتقدون بهذا الرأي؟ (أسسه اللاهوتية والفلسفية والكتابية)
لاهوتيًا:
الله محبة لا تنتهي، وهذه المحبة أقوى من خطايا الإنسان. الجحيم لا يلغي حرية الإنسان، لكنه لا يلغي أيضًا تصميم الله على خلاص البشرية. الجحيم، في نظر هايز، هو مكان الإنسان الذي يرفض الله، لكنه في الوقت نفسه مكان حضور الله المنتظر للتوبة.
فلسفيًا:
من الصعب قبول أن كائنًا بشريًا محدودًا يمكن أن يرتكب خطايا تستحق عقوبة أبدية بلا رجعة. الرؤية التطهيرية تحاول أن توازن بين عدالة الله ومحبته.
كتابيًا:
هايز يلمّح إلى نصوص تشهد لطول أناة الله ورغبته في أن «الجميع يخلصون» (١ تيموثاوس ٢:٤).
كما يرى أن صور الدينونة في الأناجيل ليست نهائية بقدر ما هي دعوة للتوبة الآن.
ماذا قال الآخرون عن هذه الرؤية؟
جون والڤورد (الرؤية الحرفية):
رفض الرؤية التطهيرية بشدّة، معتبرًا إياها تقليلاً من جدية الدينونة. قال إن الكتاب المقدس واضح في أن العقوبة أبدية ولا رجوع فيها.
ويليام كروكيت (الرؤية المجازية):
رأى أن هايز يبالغ في التأكيد على الرحمة، لكنه يتفق معه أن أوصاف الجحيم رمزية وليست حرفية.
كلارك بينوك (الرؤية الشرطية/الفنائية):
رأى أن موقف هايز يتجاهل ببساطة أن الموتى الذين رفضوا الله لا يعودون. بل عنده، الأشرار يفنون تمامًا، ولا حاجة لرؤية «مطهرة».
ما مميزات وعيوب الرؤية التطهيرية؟
قوتها:
- تقدم صورة متوازنة بين عدل الله ومحبته.
- تشجّع على الرجاء حتى في مواجهة الدينونة.
- تتوافق مع الطابع الرمزي لبعض نصوص الدينونة.
ضعفها:
- قد يُنظر إليها كتخفيف من جدية الخطيئة.
- قد تعطي انطباعًا أن الإنسان يمكن أن يرفض الله الآن بلا عواقب جدية.
- ليس لها نصوص كتابية حاسمة تؤيدها صراحة.
لماذا الرؤية التطهيرية مهمة؟
الرؤية التطهيرية مهمة لأنها تمنح الإنسان رجاءً حتى وهو يواجه فكرة الجحيم. تذكّرنا أن الله لا يتركنا حتى في أسوأ لحظاتنا، وأن رحمته أكبر من خطايانا.
يقول هايز: «الجحيم ليس المكان الذي يُلقي الله فيه الناس، بل هو المكان الذي يختاره الناس لأنفسهم. ومع ذلك، الله يدخل إليه وينتظر».
كلمة للقارئ
الرؤية التطهيرية لا تلغي رهبة الجحيم، لكنها تضعها في إطار أكبر من الرجاء والنعمة. ربما تتفق معها أو تعارضها، لكنها تدعوك لتتأمل في عمق محبة الله الذي «يريد أن الجميع يخلصون». الجحيم قد يكون اختيار الإنسان، لكنه لا يلغي قلب الله المحب.
في المقال الرابع سوف نناقش آخر نظرة في هذا الكتاب المهم وهي النظرة الشرطية/ الفنائية
الكتاب
Four Views on Hell Paperback – January 6, 1997.
by Zondervan (Author), William Crockett (Editor), Stanley N. Gundry (Series Editor), John F. Walvoord (Contributor), Zachary J. Hayes (Contributor), Clark H. Pinnock (Contributor)