مقدمة عن الكتاب
في كتاب «أربع وجهات نظر عن الجحيم»، يستعرض أربعة لاهوتيين بارزين رؤى مختلفة تمامًا عن طبيعة الجحيم. بينما يرى البعض أنه نار حرفية لا تنطفئ، يصر آخرون على أنه مجاز لمعاناة أعمق من مجرد لهب. وفي هذا المقال، نقترب من الرؤية الثانية: الرؤية المجازية، كما عبّر عنها الدكتور ويليام كروكيت. كروكيت يقدّم لنا صورة مختلفة للجحيم: مكان مؤلم، نعم، لكنه ليس مليئًا بالحرائق والدخان حرفيًا، بل مليء بالندم والانفصال عن الله. في رأيه، علينا أن نفهم لغة الكتاب المقدس عن الجحيم باعتبارها رمزية تشير إلى حقيقة روحية أعمق.
ملخص الرؤية الثانية: الجحيم كحالة من العزلة والانفصال
يبدأ كروكيت عرضه باعتراف: «لا أحد يحب الحديث عن الجحيم، لكنها حقيقة كتابية لا يمكن إنكارها». لكنه يرفض أن تكون النار المذكورة في النصوص تعني نارًا حرفية. بدلاً من ذلك، يرى أن الجحيم هو حالة روحية من الانفصال الكامل عن الله، تُعبَّر عنها بألفاظ مجازية قوية لتوصيل الرهبة والجدية. يقول: «النار والظلمة لا يمكن أن يجتمعا حرفيًا. النار تضيء بينما الظلمة تحجب النور. إذًا هما صورتان شعريتان للتعبير عن عذاب الجحيم كفقدان لحضور الله».
برأيه، الجحيم حقيقي بكل تأكيد، لكن المعاناة فيه نفسية وروحية وليست جسدية. النصوص مثل «البكاء وصرير الأسنان» أو «النار الأبدية» هي استعارات تعكس أعمق ألم يمكن أن يعيشه الإنسان: الشعور بالذنب، العزلة، فقدان الرجاء.
من يؤمن بهذه الرؤية؟
الرؤية المجازية للجحيم لها حضور بين:
- بعض المفكرين واللاهوتيين البروتستانت .
- عدد من اللاهوتيين الكاثوليك المعاصرين.
- شخصيات بارزة مثل سي. إس. لويس الذي قال إن «أبواب الجحيم مغلقة من الداخل»، مشيرًا إلى أن المعاناة اختيار داخلي للإنسان أكثر منها نار خارجية.
كروكيت يمثل هذا الاتجاه في الكتاب، الذي يحاول أن يوفّق بين النصوص الكتابية وصورة الله المحبّة.
لماذا يعتقدون بهذا الرأي؟ (أسسه اللاهوتية والفلسفية والكتابية)
لاهوتيًا:
الله قدوس وعادل، لكن من الصعب تخيل أنه سيعذب كائناته بنار حرفية أبدية. الرؤية المجازية تقول إن الألم حقيقي لكنه نفسي وروحي، نتيجة انفصال الإنسان عن خالقه.
فلسفيًا:
يصعب التوفيق بين صورة الله المحبّ وفكرة الله كمن يشعل نيرانًا مادية في بشره إلى الأبد.
كتابيًا:
كروكيت يرى أن النصوص الكتابية تستخدم صورًا رمزية في مواضع كثيرة: «الرب راعي» أو «صخرة خلاصي»، وهكذا النار والظلمة هنا رموز لمعاناة أعمق.
- مرقس ٩:٤٨: «حيث دودهم لا يموت والنار لا تطفأ».
في رأيه: النار والدود هما استعارتان للندم المستمر والضمير المعذب.
ماذا قال الآخرون عن هذه الرؤية؟
جون والڤورد (الرؤية الحرفية):
اعترض بشدة على تخفيف حدة النصوص. قال إن النصوص واضحة ويجب أخذها بجدية. برأيه: «إذا كانت النار مجرد مجاز، لماذا يأخذ يسوع الجحيم على محمل الجد ويحذّر منه هكذا؟».
زكريا هايز (الرؤية المطهّرة):
رأى أن كروكيت قريب منه في كونه لا يرى الجحيم نارًا حرفية، لكنه يختلف في أنه يعتقد بإمكانية الخلاص بعد الجحيم، وهو ما لا يقبله كروكيت.
كلارك بينوك (الرؤية الشرطية/الفنائية):
رأى أن كروكيت على الأقل يحاول التوفيق بين النصوص وصورة الله، لكنه انتقده لأنه يبقي على فكرة أبدية الجحيم، بينما يرى بينوك أن الأشرار يفنون في النهاية.
ما مميزات وعيوب الرؤية المجازية؟
قوتها:
- تجعل النصوص الكتابية أكثر انسجامًا مع محبة الله.
- تحافظ على جدية الجحيم دون تقديم صورة بشعة لله.
- تتعامل مع لغة الكتاب المقدس كما يتعامل المفسرون مع استعارات أخرى.
ضعفها:
- قد يراها البعض تهوينًا من العقوبة.
- قد تفتح الباب لإنكار الجحيم كليًا.
- قد يُتهم أصحابها بعدم أخذ نصوص الدينونة بجدية كافية.
لماذا الرؤية المجازية مهمة؟
الرؤية المجازية مهمة لأنها تساعد على التفكير العميق في معنى الجحيم الحقيقي، لا كعقوبة جسدية فقط، بل كألم داخلي وحقيقي لغياب الله. الجحيم، بهذه الرؤية، ليس بالضرورة مكانًا مليئًا بالحرائق، بل قلب مليء باليأس. يقول كروكيت: «أسوأ ما في الجحيم هو أنك فيه وحدك، بعيد عن الله، بلا أمل، بلا نور».
كلمة للقارئ
ربما لا تقتنع تمامًا بالرؤية المجازية، لكن لا شك أن ما تقدّمه لنا هو دعوة للتفكير: ما هو الجحيم بالنسبة لك؟ هل هو نار حرفية؟ أم ألم داخلي؟ أم الاثنان معًا؟ في النهاية، الأهم هو أن نسعى اليوم إلى الشركة مع الله، فلا نختبر لا هذا ولا ذاك.
ولكن قد تفتح تلك النظرة لنا بابا آخر في التفكير في النصوص وتوافقها ، وقد تكون بابا لرؤية الله والجحيم بشكل أعمق ، ولكن من منظور مختلف. ولكنها ليست النظرة الأخيرة في هذا الكتاب ، ولهذا سوف نناقش في المقال الثالث النظرة الكاثوليكية للجحيم.
الكتاب
Four Views on Hell Paperback – January 6, 1997.
by Zondervan (Author), William Crockett (Editor), Stanley N. Gundry (Series Editor), John F. Walvoord (Contributor), Zachary J. Hayes (Contributor), Clark H. Pinnock (Contributor)