يدعونا الرب يسوع المسيح، كما يشهد الكتاب المقدس، إلى إخضاع كل فكرٍ له. يقول الرسول بولس في رسالته الثانية إلى أهل كورنثوس (10: 5): “هادمين ظنونًا وكلَّ عُلْوٍ يرتفع ضد معرفة الله، ومستأسرين كلَّ فكرٍ إلى طاعة المسيح”. في ضوء هذا، فلنستكشف العلاقة بين المسيحية والفلسفة، هذا المجال الذي يكتسي أهمية بالغة في عصرنا، حيث يشهد تيارًا يتبنى بلا تمييز كل فلسفة معادية للمسيحية، بينما يظهر العديد من المسيحيين موقفًا يتسم بالخوف أو اللامبالاة تجاه أي حوار فلسفي
الفلسفة كحاجة إنسانية فطرية
يحمل كل إنسان رؤية خاصة به عن الحياة. قد تتسم هذه الرؤية بالبساطة أو التعقيد، لكنها تبقى حاضرة في صميم تفكير كل شخص. إنها الطريقة التي ينظر بها إلى العالم من حوله وإلى ذاته. الماركسية، الإسلام، والمادية النفعية، على سبيل المثال، تمثل بعضًا من وجهات النظر العالمية التي شاعت في القرن العشرين. ووفقًا للكتاب المقدس، لا يخرج الإنسان في نظرته للحياة عن أحد موقفين: إما أن ينظر إليها من خلال نور الوحي الإلهي، وإما أن يراها في عتمة عقله الذي أسلمته الخطيئة. ولا شك أن رؤيتنا ومعتقداتنا تؤثر بشكل كبير على أسلوب حياتنا
قد يختلف البعض معي في هذا الطرح، بمن فيهم فلاسفة يرون أن المعتقدات (بما في ذلك الرؤى العالمية) ليست ذات أهمية في تحديد سلوك الفرد، بل إن الدوافع هي الأساس، كالجنس أو الطمع. ولكن حتى هذا الزعم بأن الرؤى العالمية لا قيمة لها، هو في حد ذاته رؤية عالمية. لذلك، لا مناص لنا من الإقرار بأن الرؤى العالمية أمر حتمي. وهذه الرؤى تستدعي على الدوام تفكيرًا فلسفيًا مباشرًا. فكونك إنسانًا يعني أنك تحمل وجهة نظر، منظورًا خاصًا بك عن نفسك وعن العالم، رؤية عالمية. قد تتخذ هذه الفلسفات شكل أفكار مبتذلة ، لكنها جميعًا تنطوي على أفكار حول معنى الحياة ومسارها
أما الفلسفات الحقيقية، فهي عبارة عن رؤى عالمية مُهذبة، أو نقاشات معمقة حول إشكاليات تتعلق برؤيتي أو رؤى الآخرين للعالم. لكن القاسم المشترك بين جميع الفلسفات هو أنها تقوم على افتراضات مسبقة. بمعنى أن رؤية عالمية محددة تكمن في صميم كل نقاش فلسفي، وكأنها بمثابة لاعب خفي يتحكم في لعبة الفكر. وبديهي أن إنكار هذا الأمر (كما حاولت الوضعية المنطقية مثلًا) هو في ذاته افتراض مسبق لرؤية عالمية معينة
إن الطريقة المسيحية المتميزة في ممارسة الفلسفة تتضمن تفكيرًا لغويًا ومفاهيميًا (سواء على المستوى الفردي أو الجماعي) حول العالم الذي نعيش فيه، وحول الله الذي نعبده. عندما ننخرط في التفلسف، فإننا نسعى جاهدين للتفكير والتخيل بكثافة أعمق من المعتاد حول أضخم الأسئلة والحقائق في الحياة. تشمل الفلسفة المسيحية التأمل والتفكير في ذواتنا، وعالمنا، والكتاب المقدس. وبينما يركز اللاهوت بشكل أشد على فهم الكتاب المقدس، تسعى الفلسفة إلى تطبيق رؤى الكتاب المقدس على وضعنا في خليقة الله، سعيًا إلى تكوين رؤية شاملة أفضل للوجود برمته، واستكشاف الحقائق والمشكلات المثيرة للتساؤل
هناك حقيقتان واضحتان. أولاهما، أن كل شخص لديه رؤية عالمية، أو فلسفة جنينية. وثانيتهما، أنه يتعين علينا كمسيحيين أن نطور أساليب مسيحية لممارسة الفلسفة على نفس منوال الكتاب المقدس، حتى نخدم ربنا على نحو أفضل في عالمه، ونتجنب الضلال الذي قد يقودنا إليه الذكاء الظاهري للبدائل غير المسيحية، والتي نطلق عليها أحيانا اننا بساطة الإيمان ، او مبادئ الكتاب المقدس ضد الفلسفة وترفضها