يظل مفهوم الله محورًا أساسيًا في فهم الوجود والمعنى. نحن نؤمن بأن الله هو الكائن غير المحدود، الذي يتجاوز كل تصور بشري، وهو كلي الوجود، حاضر في كل مكان وزمان. يتجلى هذا الإله في ذاته ككلمة ناطقة وروح حية. إن “روح الله” و”كلمة الله” تعبران عن وحدة الله، لكن هذه الوحدة ليست كالوحدة البشرية التي نعرفها. بل هي وحدة تحتوي في ذاتها تنوعًا غنيًا يعكس الصفات المتعددة لله

منذ الأزل، كان الله هو السميع والمتكلم، مما يستدعي وجود تنوع في صفاته. إن تصور أن صفات الله كانت غير فعالة قبل خلق الإنسان هو تصور غير منطقي، حيث إن وجود الله -بجوهره- مستقل عن غيره. لذلك، يُمكننا أن نفهم وحدانية الله كنوع من الوحدة التي تحتوي التنوع، وهو ما نعبر عنه بوحدانية الثالوث. هذه الوحدانية لا تعني تعدد الآلهة، بل تعني أن الله واحد في جوهره، لكنه يتجلى في ثلاثة أقانيم: الآب، والابن، والروح القدس

تجسد المسيح وعلاقته بوحدانية الله
هذا الإله الثالوثي، الذي لا يستطيع أحد أن يراه، يتجلى لنا في تجسد “كلمة الله” في شخص السيد المسيح. جاء المسيح إلى الأرض ليجمع بين الإلهي والبشري، وبهذا الاتحاد نرى الله في صورته. من خلال المسيح، نستطيع أن نرى كيف يمكن أن يتحد الله مع البشرية، مما يعيد لنا الأمل في استعادة الذات التي خُلقت صالحة. فعلى الرغم من أن الله خلقنا لنكون في صورة جيدة، إلا أننا اخترنا العصيان. لكن المسيح جاء ليكفّر عن ذنوبنا، مُعيدًا لنا الأمل والخلاص

إن تجسد “كلمة الله” لم ينقص من طبيعته غير المحدودة. جسد المسيح البشري كان وسيلة لإظهار الله، ولكنه لم يحد من كماله. السيد المسيح هو إنسان كامل وإله كامل، مما يتيح لنا اختبار ملء الله في ملء الإنسان. طبيعة المسيح الإلهية ظلت محفوظة بكل صفات الألوهية، وهو الذي قال: “الَّذِي هُوَ صُورَةُ اللهِ غَيْرِ الْمَنْظُور”، حيث أن كل شيء خُلق به ولأجله

المعرفة الإلهية وكينونة المسيح
في حديثه مع نيقوديموس، يوضح المسيح أن المعرفة الإلهية تتجاوز إدراك البشر، فهو الذي نزل من السماء ليعلن لنا مشيئة الله. هذا التصريح يعكس الطبيعة الألوهية للمسيح، الذي كان في السماء بينما كان يتجسد على الأرض. إن الصعود والنزول هما تعبيرات مجازية تعكس كينونته الألوهية. فعندما يقول: “وَلَيْسَ أَحَدٌ صَعِدَ إِلَى السَّمَاءِ إِلَّا الَّذِي نَزَلَ مِنَ السَّمَاءِ” يوحنا 3 ، يشير إلى أنه الوحيد الذي يمتلك القدرة على فهم المشيئة الإلهية

الموت والقيامة: سر الألوهية
وعندما نتساءل: كيف مات المسيح على الصليب، ومن كان يدير الكون في تلك اللحظة؟ فإن الجواب يكمن في أن جسد المسيح ( الطبيعة الانسانية المكونة من نفس وروح وجسد )  هو الذي مات، بينما ظلت الألوهية متحدة به. فالموت الذي اختبره المسيح هو موت الجسد البشري، الذي يفصل فيه الروح عن الجسد. لكن الألوهية لم تنفصل، بل ارتبطت بالجسد بطريقة فائقة. ولذلك، بعد ثلاثة أيام، قام المسيح من الموت، حيث حافظت الألوهية على جسده من التعفن

على الرغم من أن جسد المسيح كان على الصليب، استمر الله -غير المحدود- في إدارة الكون. هذه الفكرة تعكس عقيدة الحضور الكلي للمسيح، حيث إن وجوده الإلهي لم يتأثر بتجسده. إن هذا المفهوم يفتح لنا آفاقًا جديدة لفهم العلاقة بين الله والإنسان، ويجعلنا نتأمل في عمق محبة الله ورغبته في التواصل مع خلقه

دعوة للتأمل والإيمان
نؤمن بأن الله كلي الوجود، وأن تجسده في المسيح لم يحد من وجوده. قد تبدو عقولنا المحدودة عاجزة عن استيعاب هذا الإله غير المحدود، لكن ما نحاول التعبير عنه هو ما أعلن لنا من خلال إيماننا العميق في كتاب الله المقدس. إن هذا الإيمان يدعونا للتأمل في طبيعة الله وعظمته، وكيف أن الله، الذي هو فوق كل شيء، اختار أن يتجسد ويعيش بيننا

تجسد المسيح هو تجسيد لمحبة الله، التي تتجاوز كل حدود. إنه دعوة لنا لنبحث عن الله في حياتنا اليومية، ولنتعلم كيف نعيش في علاقة شخصية معه. من خلال المسيح، نكتشف أننا مدعوون للاشتراك في طبيعة الله، لنختبر الحياة الأبدية التي وعد بها

الخاتمة
في النهاية، نجد أن وحدانية الله وتجسد المسيح لا يمثلان مجرد مفاهيم فلسفية، بل هما تعبير عميق عن محبة الله ورغبته في أن يكون قريبًا منا. إن فهمنا لهذه الحقائق يمكن أن يغير حياتنا، ويدعونا إلى إعادة التفكير في علاقتنا بالله والآخرين. إن الله غير المحدود، الذي جاء إلينا في صورة إنسان، هو سر محبة لا تنتهي، ودعوة إلى حياة مليئة بالإيمان والرجاء